النهي الفعليّ ؛ لامتناع التقرّب بالمبعّد وإن كان ذات المأتيّ به مشتملا على المصلحة الذاتيّة ، وقلنا بكفاية قصد المصلحة الذاتيّة في صحّة العبادة.
نعم ، إذا وقع الجمع بين المأمور به والمنهيّ عنه عن جهل بالحرمة قصورا لا تقصيرا أو عن نسيان وكان قد أتى بالفعل على وجه القربة فالمشهور أنّ العبادة تقع صحيحة (١) ؛ ولعلّ الوجه فيه هو القول بكفاية رجحانها الذاتيّ واشتمالها على المصلحة الذاتيّة في التقرّب بها مع قصد ذلك وإن لم يكن الأمر فعليّا.
وقيل (٢) : إنّه لا يبقى مصحّح في هذه الصورة للعبادة ، فتقع فاسدة ؛ نظرا إلى أنّ دليلي الوجوب والحرمة على القول بالامتناع يصبحان متعارضين ، وإن لم يكونا في حدّ أنفسهما متعارضين ، فإذا قدّم جانب النهي فكما لا يبقى أمر كذلك لا يحرز وجود المقتضي له وهو المصلحة الذاتيّة في المجمع ؛ إذ تخصيص دليل الأمر بما عدا المجمع يجوز أن يكون لوجود المانع في المجمع عن شمول الأمر له ، ويجوز أن يكون لانتفاء المقتضي للأمر فلا يحرز وجود المقتضي.
هذا بناء على الامتناع وتقديم جانب النهي ، وأمّا بناء على الامتناع وتقديم جانب الأمر فلا شبهة في وقوع العبادة صحيحة ؛ إذ لا نهي حتّى يمنع من صحّتها ، لا سيّما إذا قلنا بتعارض الدليلين ؛ بناء على الامتناع ؛ فإنّه لا يحرز معه المفسدة الذاتيّة في المجمع.
وكذلك الحقّ هو صحّة العبادة إذا قلنا بالجواز ؛ فإنّه كما جاز توجّه الأمر والنهي إلى عنوانين مختلفين مع التقائهما في المجمع فقلنا بجواز الاجتماع في مقام التشريع ، فكذلك نقول : لا مانع من الاجتماع في مقام الامتثال أيضا ـ كما أشرنا إليه في تحرير محلّ النزاع (٣) ـ ، حتّى لو كان المعنون للعنوانين واحدا وجودا ، ولم يوجب تعدّد العنوان تعدّده ؛
__________________
(١) نسب إلى المشهور في المحاضرات ٤ : ٢١٢.
(٢) والقائل هو المحقّق النائينيّ في «أجود التقريرات ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٤» ، بناء على أن يكون مراده من الجهل بالغصب هو الجهل بالحرمة حكما أو موضوعا ، كما فسّره بذلك تلميذه المحقّق الخوئيّ في تعليقاته على أجود التقريرات.
(٣) راجع الصفحة : ٣٢٦ من هذا الجزء ، حيث قال : «وحينئذ إذا اتّفق ذلك للمكلّف ، فإنّه يكون هذا الفعل الواحد داخلا فيما هو مأمور به من جهة ، فيقتضي أن يكون المكلّف مطيعا ...».