وأمّا وجه الوجوب : فقد قيل : «إنّ الخروج واجب نفسيّ ، باعتبار أنّ الخروج معنون بعنوان التخلّص عن الحرام ، والتخلّص عن الحرام في نفسه عنوان حسن عقلا ، وواجب شرعا». وقد نسب هذا الوجه إلى الشيخ الأعظم الأنصاريّ قدسسره على ما يظهر من تقريرات درسه (١).
وقيل : «إنّ الخروج واجب غيريّ ـ كما يظهر من بعض التعبيرات في تقريرات الشيخ أيضا (٢) ـ باعتبار أنّه مقدّمة للتخلّص من الحرام ، وهو الغصب الزائد الذي كان يتحقّق لو لم يخرج».
والحقّ أنّه ليس بواجب نفسيّ ؛ ولا غيريّ.
أمّا : أنّه ليس بواجب نفسيّ ؛ فلأنّه :
أوّلا : أنّ التخلّص عن الشيء بأيّ معنى فرض عنوان مقابل لعنوان الابتلاء به ، بديل له ، لا يجتمعان ، وهما من قبيل الملكة وعدمها. وهذا واضح.
وحينئذ نقول له : ما مرادك من التخلّص الذي حكمت عليه بأنّه عنوان حسن؟ إن كان المراد به التخلّص من أصل الغصب فهو بالخروج ـ أي الحركات الخروجيّة ـ مبتلى بالغصب ، لا أنّه متخلّص منه ؛ لأنّه تصرّف بالمغصوب. وإن كان المراد به التخلّص من الغصب الزائد الذي يقع لو لم يخرج فهو لا ينطبق على الحركات الخروجيّة ؛ وذلك لأنّ التخلّص لمّا كان مقابلا للابتلاء بديلا له ـ كما قدّمنا ـ فالزمان الذي يصلح أن يكون زمانا للابتلاء لا بدّ أن يكون هو الذي يصدق عليه عنوان التخلّص ، مع أنّ زمان الحركات الخروجيّة سابق على زمان الغصب الزائد عليها لو لم يخرج ، فهو في حال الحركات الخروجيّة لا مبتلى بالغصب الزائد ، ولا متخلّص منه ، بل الغاصب مبتلى بالغصب من حين
__________________
(١) راجع مطارح الأنظار : ١٥٣ ـ ١٥٤.
(٢) قال : «والظاهر أنّ ذلك الأمر قد استفيد من جهة كونه من مقدّمات ترك الغصب الواجب ، ومقدّمة الترك أعمّ من الخروج ، وإن انحصر أفراده في الخروج بحسب العادة». مطارح الأنظار : ١٥٤. وهذا يظهر أيضا من بعض عبارات المحقّق القمّي ، حيث قال : «إنّ الخروج ليس مورد للأمر من حيث هو خروج ...». قوانين الأصول ١ : ١٥٤.