وأمّا نحن ، فإذ ثبت عندنا أنّ هناك مصلحة التسهيل في جعل الأمارة تفوق المصالح الشخصيّة ومقدّمة عليها عند الشارع أصبحنا في غنى عن فرض المصلحة السلوكيّة ؛ على أنّ المصلحة السلوكيّة إلى الآن لم نتحقّق مراد الشيخ منها ، ولم نجد الوجه لتصحيحها في نفسها ؛ فإنّ في عبارته شيئا من الاضطراب والإيهام ، وكفى أن تقع في بعض النسخ زيادة كلمة «الأمر» على قوله : «إلاّ أنّ العمل على طبق تلك الأمارة» ، فتصير العبارة هكذا «إلاّ أنّ الأمر بالعمل ...» ، (١) فلا يدرى مقصوده ، هل إنّه في نفس العمل مصلحة سلوكيّة أو في الأمر به؟. وقيل : «إنّ هذا التصحيح وقع من بعض تلامذته ؛ إذ أوكل إليه أمر تصحيح العبارة بعد مناقشات تلاميذه لها في مجلس البحث». (٢)
وعلى كلّ حال ، فالظاهر أنّ الفارق عنده بين السببيّة المحضة وبين المصلحة السلوكيّة ـ بمقتضى عبارته قبل التصحيح المذكور ـ أنّ المصلحة على الأوّل تكون قائمة بذات الفعل ، وعلى الثاني قائمة بعنوان آخر هو السلوك ، فلا تزاحم مصلحته مصلحة الفعل.
ولكنّنا لم نتعقّل هذا الفارق المذكور ؛ لأنّه إنّما يتمّ إذا استطعنا أن نتعقّل لعنوان السلوك عنوانا مستقلاّ في وجوده عن ذات الفعل ، لا ينطبق عليه ، ولا يتّحد معه ، حتى لا تزاحم مصلحته مصلحة الفعل ، وتصوير هذا في غاية الإشكال. ولعلّ هذا هو السرّ في مناقشة تلاميذه له ، فحمل بعضهم على إضافة كلمة «الأمر» ، (٣) ليجعل المصلحة تعود إلى نفس الأمر ، لا إلى متعلّقه ، فلا يقع التزاحم بين المصلحتين.
وجه الإشكال : أوّلا : أنّنا لا نفهم من عنوان السلوك والاستناد إلى الأمارة إلاّ عنوانا للفعل الذي تؤدّي إليه الأمارة بأيّ معنى فسّرنا السلوك والاستناد ؛ إذ ليس للسلوك ومتابعة الأمارة وجود آخر مستقلّ ، غير نفس وجود الفعل المستند إلى الأمارة.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٤٤. وقال في فوائد الأصول ٣ : ٩٨ : «إنّ زيادة لفظ «الأمر» ممّا لا حاجة إليه». وقال المحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية ٢ : ١٣٦ : «إنّ ما في بعض نسخ فرائد الشيخ الأجلّ قدسسره من فرض المصلحة في الأمر غير صحيح».
(٢) راجع فوائد الأصول ٣ : ٩٨.
(٣) ومراده من «بعضهم» بعض أصحاب الشيخ ، كما في فوائد الأصول ٣ : ٩٨.