قوله (تعالى) : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً ...) مفعولا لـ «تبيّنوا» ، فيكون معناه : «فتثبّتوا ، واحذروا إصابة قوم بجهالة».
والظاهر أنّ قوله (تعالى) : (فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) يكون كناية عن لازم معناه ، وهو عدم حجّيّة خبر الفاسق ؛ لأنّه لو كان حجّة لما دعا إلى الحذر من إصابة قوم بجهالة عند العمل به ، ثمّ من الندم على العمل به.
٣. «الجهالة» اسم مأخوذ من الجهل ، أو مصدر ثان له ، قال عنها أهل اللغة : «الجهالة : أن تفعل فعلا بغير العلم» (١) ، ثمّ هم فسّروا الجهل بأنّه المقابل للعلم ، عبّروا عنه تارة بتقابل التضاد (٢) ، وأخرى بتقابل النقيض (٣) ، وإن كان الأصحّ في التعبير العلميّ أنّه من تقابل العدم والملكة. (٤)
والذي يبدو لي من تتبّع استعمال كلمة «الجهل» ومشتقّاتها في أصول اللغة العربيّة أنّ إعطاء لفظ «الجهل» معنى يقابل العلم ـ بهذا التحديد الضيّق لمعناه ـ جاء مصطلحا جديدا عند المسلمين في عهدهم ؛ لنقل الفلسفة اليونانيّة إلى العربيّة الذي استدعى تحديد معاني كثير من الألفاظ ، وكسبها إطارا (٥) يناسب الأفكار الفلسفيّة ، وإلاّ فالجهل في أصل اللغة كان يعطي معنى يقابل الحكمة ، والتعقّل ، والرويّة (٦) ، فهو يؤدّي تقريبا معنى السفه ، أو الفعل السفهيّ عند ما يكون عن غضب ـ مثلا ـ وحماقة ، وعدم بصيرة ، وعلم. (٧)
وعلى كلّ حال ، هو بمعناه الواسع اللغويّ يلتقي مع معنى الجهل المقابل للعلم الذي صار مصطلحا علميّا بعد ذلك. ولكنّه ليس هو إيّاه. وعليه ، فيكون معنى «الجهالة» أن تفعل فعلا بغير حكمة ، وتعقّل ، ورويّة الذي لازمه عادة إصابة عدم الواقع والحقّ.
__________________
(١) لسان العرب ١١ : ١٢٩.
(٢) كما في تاج العروس ٧ : ٢٦٨ ، والمنجد في اللغة : ١٠٨ ، وقاموس اللغة : ٤٥٣.
(٣) كما في لسان العرب ١١ : ١٢٩ ، ومعجم مقاييس اللغة ١ : ٤٨٩.
(٤) فالجهل هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يعلم.
(٥) وهو بالفارسيّة : «چارچوب». والإطار : ما يحيط بالشيء.
(٦) أي النظر والتفكّر.
(٧) أي وعن عدم علم.