أوجب عليهم أن تنفر طائفة من كلّ قوم ، ويستفاد الوجوب من «لو لا» التحضيضيّة ، ومن الغاية من النفر ـ وهي التفقّه لإنذار القوم الباقين لأجل أن يحذروا من العقاب ـ ؛ مضافا إلى أنّ أصل التعلّم واجب عقليّ ، كما قرّرنا.
كلّ ذلك شواهد ظاهرة على وجوب تفقّه جماعة من كلّ قوم ؛ لأجل تعليم قومهم الحلال والحرام. ويكون ذلك ـ طبعا ـ وجوبا كفائيّا.
وإذا استفدنا وجوب تفقّه كلّ طائفة من كلّ قوم ، أو تشريع ذلك بالترخيص فيه على الأقلّ لغرض إنذار قومهم إذا رجعوا إليهم ، فلا بدّ أن نستفيد من ذلك أنّ نقلهم للأحكام قد جعله الله (تعالى) حجّة على الآخرين ، وإلاّ لكان تشريع هذا النفر على نحو الوجوب ، أو الترخيص لغوا بلا فائدة بعد أن نفى وجوب النفر على الجميع. بل لو لم يكن نقل الأحكام حجّة ، لما بقيت طريقة لتعلّم الأحكام تكون معذّرة للمكلّف ، وحجّة له ، أو عليه.
والحاصل أنّ رفع وجوب النفر على الجميع والاكتفاء بنفر قسم منهم ليتفقّهوا في الدين ويعلّموا الآخرين هو بمجموعه دليل واضح على حجّيّة نقل الأحكام في الجملة ، وإن لم يستلزم العلم اليقينيّ ؛ لأنّ الآية ـ من ناحية اشتراط الإنذار بما يوجب العلم ـ مطلقة ، فكذلك تكون مطلقة من ناحية قبول الإنذار والتعليم ، وإلاّ كان هذا التدبير الذي شرّعه الله (تعالى) لغوا ، وبلا فائدة ، وغير محصّل للغرض الذي من أجله كان النفر وتشريعه.
هكذا ينبغي أن تفهم الآية الكريمة في الاستدلال على المطلوب ، وبهذا البيان يندفع كثير ممّا أورد على الاستدلال بها للمطلوب.
وينبغي ألاّ يخفى عليكم أنّه لا يتوقّف الاستدلال بها على أن يكون نفر الطائفة من كلّ قوم واجبا ، بل يكفي ثبوت أنّ هذه الطريقة مشرّعة من قبل الله (تعالى) ، وإن كان بنحو الترخيص بها ؛ لأنّ نفس تشريعها يستلزم تشريع حجّيّة نقل الأحكام من المتفقّه. فلذلك لا تبقى حاجة إلى التطويل في استفادة الوجوب.
كما أنّ الاستدلال بها لا يتوقّف على كون الحذر عند إنذار النافرين المتفقّهين واجبا ، واستفادة ذلك من «لعلّ» أو من أصل حسن الحذر ، بل الأمر بالعكس ؛ فإنّ نفس جعل حجّيّة قول النافرين المتفقّهين المستفاد من الآية يكون دليلا على وجوب الحذر.