طريقا خاصّا مخترعا منه غير طريق العقلاء ، ولو كان له طريق خاصّ قد اخترعه غير مسلك العقلاء لأذاعه (١) وبيّنه للناس ، ولظهر واشتهر ، ولما جرت سيرة المسلمين على طبق سيرة باقي البشر.
وهذا الدليل قطعيّ لا يداخله الشكّ ؛ لأنّه مركّب من مقدّمتين قطعيّتين :
١ ـ ثبوت بناء العقلاء على الاعتماد على خبر الثقة والأخذ به.
٢ ـ كشف هذا البناء منهم عن موافقة الشارع لهم واشتراكه معهم ؛ لأنّه متّحد المسلك معهم.
قال شيخنا النائينيّ قدسسره ـ كما في تقريرات تلميذه الكاظميّ قدسسره ـ : «وأمّا طريقة العقلاء فهي عمدة أدلّة الباب ، بحيث لو فرض أنّه كان سبيل إلى المناقشة في بقية الأدلّة ، فلا سبيل إلى المناقشة في الطريقة العقلائيّة القائمة على الاعتماد على خبر الثقة والاتّكال عليه في محاوراتهم». (٢)
وأقصى ما قيل (٣) في الشكّ في هذا الاستدلال هو : أنّ الشارع لئن كان متّحد المسلك مع العقلاء فإنّما يستكشف موافقته لهم ، ورضاه بطريقتهم ، إذا لم يثبت الردع منه عنها. (٤) وتكفي في الردع الآيات الناهية عن اتّباع الظنّ وما وراء العلم التي ذكرناها سابقا في البحث السادس من المقدّمة ؛ (٥) ؛ لأنّها بعمومها تشمل خبر الواحد غير المفيد للعلم.
وقد عالجنا هذا الأمر فيما يتعلّق بشمول هذه الآيات الناهية للاستصحاب في الجزء
__________________
(١) أي : لنشره.
(٢) فوائد الأصول ٣ : ١٩٤.
(٣) هذا الإشكال تعرّض له المحقّق الخراسانيّ ، ثمّ أجاب عنه بعدم صلاحية الآيات المذكورة للردع ، للزوم الدور. راجع الكفاية ٣٤٨ ـ ٣٤٩.
وتعرّض له أيضا المحقّق النائينيّ ، وأجاب عنه بما يأتي في المتن. راجع فوائد الأصول ٣ : ١٩٣.
وادّعى المحقّق الحائريّ في درر الفوائد ٢ : ٥٩ أنّه يكفي في عدم الحجّيّة عدم العلم بإمضاء الشارع ، وهو حاصل قبل الفراغ عن عدم كون تلك الأدلّة رادعة.
وأجاب المحقّق الأصفهانيّ عن هذه الدعوى في نهاية الدراية ٢ : ٢٣٣ ، فراجع.
(٤) أي ما لم يثبت الردع من الشارع عن طريقة العقلاء.
(٥) راجع الصفحة : ٢٢.