إلى صدقه ويأمنون كذبه ، وعلى اعتمادهم في تبليغ مقاصدهم على الثقات. وهذه السيرة العمليّة جارية حتى في الأوامر الصادرة من ملوكهم ، وحكّامهم ، وذوي الأمر منهم.
وسرّ هذه السيرة أنّ الاحتمالات الضعيفة المقابلة ملغاة بنظرهم لا يعتنون بها ، فلا يلتفتون إلى احتمال تعمّد الكذب من الثقة ، كما لا يلتفتون إلى احتمال خطئه ، واشتباهه ، أو غفلته.
وكذلك أخذهم بظواهر الكلام وظواهر الأفعال ؛ فإنّ بناءهم العمليّ على إلغاء الاحتمالات الضعيفة المقابلة. وذلك من كلّ ملّة ونحلة. (١)
وعلى هذه السيرة العمليّة قامت معايش الناس ، وانتظمت حياة البشر ، ولولاها لاختلّ نظامهم الاجتماعيّ ، ولسادهم (٢) الاضطراب ؛ لقلّة ما يوجب العلم القطعيّ من الأخبار المتعارفة ، سندا ومتنا.
والمسلمون بالخصوص ـ كسائر الناس ـ جرت سيرتهم العمليّة على مثل ذلك في استفادة الأحكام الشرعيّة من القديم إلى يومنا هذا ؛ لأنّهم متّحدو المسلك والطريقة مع سائر البشر ، كما جرت سيرتهم بما هم عقلاء على ذلك في غير الأحكام الشرعيّة. ألا ترى هل كان يتوقّف المسلمون في أخذ أحكامهم الدينيّة من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله أو من أصحاب الأئمّة عليهمالسلام الموثوقين عندهم؟ وهل ترى يتوقّف المقلّدون اليوم وقبل اليوم في العمل بما يخبرهم الثقات عن رأي المجتهد الذي يرجعون إليه؟ وهل ترى تتوقّف الزوجة في العمل بما يحكيه لها زوجها ـ الذي تطمئنّ إلى خبره ـ عن رأي المجتهد في المسائل التي تخصّها ، كالحيض مثلا؟
وإذا ثبتت سيرة العقلاء من الناس بما فيهم المسلمون على الأخذ بخبر الواحد الثقة ـ فإنّ الشارع المقدّس متّحد المسلك معهم ؛ لأنّه منهم ، بل هو رئيسهم ـ فلا بدّ أن نعلم بأنّه (٣) متّخذ لهذه الطريقة العقلائيّة ، كسائر الناس ما دام أنّه لم يثبت لنا أنّ له في تبليغ الأحكام
__________________
(١) النحلة والنحلة : المذهب والديانة.
(٢) أي : لتسلّط عليهم.
(٣) أي الشارع.