وخلاصته أنّ التعارض ـ في خصوص مورد العامّين من وجه ـ إنّما يحصل حيث تكون لكلّ منهما دلالة التزاميّة على نفي حكم الآخر في مورد الاجتماع بينهما ، فيتكاذبان من هذه الجهة. وأمّا : إذا لم يكن للعامّين من وجه مثل هذه الدلالة الالتزاميّة فلا تعارض بينهما ، إذ لا تكاذب بينهما في مقام الجعل والتشريع.
وحينئذ ـ أي حينما يفقدان تلك الدلالة الالتزاميّة ـ لو امتنع على المكلّف أن يجمع بينهما في الامتثال لأيّ سبب من الأسباب ، فإنّ الأمر في مقام الامتثال يدور بينهما ، بأن يمتثل إمّا هذا أو ذاك. وهنا يقع التزاحم بين الحكمين ، وطبعا إنّما يفرض ذلك فيما إذا كان الحكمان إلزاميّين.
ومن أجل هذا قلنا ـ في الشرط الخامس من شروط التعارض ـ : «إنّ امتناع اجتماع الحكمين في التحقّق إذا كان في مقام التشريع دخل الدليلان في باب التعارض ؛ لأنّهما حينئذ يتكاذبان. أمّا إذا كان الامتناع في مقام الامتثال دخلا في باب التزاحم ؛ إذ لا تكاذب حينئذ بين الدليلين».
وهذا هو الفرق الحقيقيّ بين باب التعارض وباب التزاحم في أيّ مورد يفرض ؛ وينبغي ألاّ يغيب عن بال الطالب أنّه حينما ذكرنا العامّين من وجه فقط في مقام التفرقة بين البابين ـ كما تقدّم في الجزء الثاني (١) ـ لم نذكره لأجل اختصاص البابين بالعامّين من وجه ، بل لأنّ العامّين من وجه موضع شبهة عدم التفرقة بين البابين ثمّ بينهما وبين باب اجتماع الأمر والنهي. وقد سبق تفصيل ذلك هناك ، فراجع.
وعليه ، فالضابط في التفرقة بين البابين ـ كما أشرنا إليه أكثر من مرّة ـ هو أنّ الدليلين يكونان متعارضين إذا تكاذبا في مقام التشريع ، ويكونان متزاحمين إذا امتنع الجمع بينهما في مقام الامتثال مع عدم التكاذب في مقام التشريع.
وفي تعارض الأدلّة قواعد للترجيح ستأتي ، وقد عقد هذا الباب لأجلها ، وينحصر الترجيح فيها بقوّة السند أو الدلالة.
وأمّا : التزاحم فله قواعد أخرى تتّصل بالحكم نفسه ، ولا ترتبط بالسند أو الدلالة.
__________________
(١) راجع المقصد الثاني : ٣٢٧ ـ ٣٣٢.