٦. «سبق زمان المتيقّن على زمان المشكوك» : أي إنّه يجب أن يتعلّق الشكّ ببقاء ما هو متيقّن الوجود سابقا ، وهذا هو الظاهر من معنى الاستصحاب ، فلو انعكس الأمر ـ بأن كان زمان المتيقّن متأخّرا عن زمان المشكوك ، بأن يشكّ في مبدأ حدوث ما هو متيقّن الوجود في الزمان الحاضر ـ فإنّ هذا يرجع إلى «الاستصحاب القهقريّ» الذي لا دليل عليه. مثاله : ما لو علم بأنّ صيغة «افعل» حقيقة في الوجوب في لغتنا الفعليّة الحاضرة ، وشكّ في مبدأ حدوث وضعها لهذا المعنى ، هل كان في أصل وضع لغة العرب ، أو أنّها نقلت عن معناها الأصليّ إلى هذا المعنى في العصور الإسلاميّة؟ فإنّه يقال هنا : «إنّ الأصل عدم النقل» ؛ لغرض إثبات أنّها موضوعة لهذا المعنى في أصل اللغة. ومعنى ذلك في الحقيقة جرّ اليقين اللاحق إلى الزمن المتقدّم. ومثل هذا الاستصحاب يحتاج إلى دليل خاصّ ، ولا تكفي فيه أخبار الاستصحاب ، ولا أدلّته الأخرى (١) ؛ لأنّه ليس من باب عدم نقض اليقين بالشكّ ، بل يرجع أمره إلى نقض الشكّ المتقدّم باليقين المتأخّر.
٧. «فعليّة الشكّ واليقين» : بمعنى أنّه لا يكفي الشكّ التقديريّ ، ولا اليقين التقديريّ. (٢) واعتبار هذا الشرط لا من أجل أنّ الاستصحاب لا يتحقّق معناه إلاّ بفرضه ، بل لأنّ ذلك مقتضى ظهور لفظ الشكّ واليقين في أخبار الاستصحاب ؛ فإنّهما ظاهران في كونهما فعليّين ، كسائر الألفاظ في ظهورها في فعليّة عناوينها.
وإنّما يعتبر هذا الشرط في قبال من يتوهّم جريان الاستصحاب في مورد الشكّ التقديريّ ، ومثاله ـ كما ذكره بعضهم (٣) ـ : ما لو تيقّن المكلّف بالحدث ، ثمّ غفل عن حاله وصلّى ، ثمّ بعد الفراغ من الصلاة شكّ في أنّه هل تطهّر قبل الدخول في الصلاة؟ فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ صحّة صلاته ؛ لحدوث الشكّ بعد الفرغ من العمل ، وعدم وجود الشكّ قبله.
__________________
(١) بناء على دلالتها ، كالعقل ، وبناء العقلاء ، والإجماع.
(٢) والمراد من فعليّتهما هو الالتفات إلى اليقين السابق والشكّ اللاحق ، لا وجودهما في الخزانة النفسانيّة ولو كان الإنسان ذاهلا عنهما. والمراد من التقديريّ منهما هو عدم الالتفات إليهما وإن كانا موجودين في خزانة النفس.
(٣) كالشيخ في فرائد الأصول ٢ : ٥٤٨ ، والمحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٤٥٩. وهو بما ذكر في المتن موجود في فوائد الأصول ٤ : ٣١٨ ـ ٣١٩.