والمراد من الطلب إظهار الإرادة والرغبة بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو نحو هذه الأمور ممّا يصحّ إظهار الإرادة والرغبة وإبرازهما به (١) ، فمجرّد الإرادة والرغبة من دون إظهارها بمظهر لا يسمّى طلبا. والظاهر أنّه ليس كلّ طلب يسمّى أمرا ، بل بشرط مخصوص (٢) سيأتي ذكره في المسألة الثانية ، فتفسير «الأمر» بالطلب من باب تعريف الشيء بالأعمّ.
والمراد من الشيء من لفظ «الأمر» أيضا ليس كلّ شيء على الإطلاق ، فيكون تفسيره به من باب تعريف الشيء بالأعمّ أيضا ؛ فإنّ الشيء لا يقال له : «أمر» إلاّ إذا كان من الأفعال والصفات ، ولذا لا يقال : «رأيت أمرا» إذا رأيت إنسانا أو شجرا أو حائطا. ولكن ليس المراد من الفعل والصفة المعنى الحدثيّ ـ أي المعنى المصدريّ ـ ، بل المراد منه نفس الفعل أو الصفة بما هو موجود في نفسه ، ـ يعني لم يلاحظ فيه جهة الصدور من الفاعل والإيجاد وهو المعبّر عنه عند بعضهم بالمعنى الاسم المصدريّ ، أي ما يدلّ عليه اسم المصدر ـ. ولذا لا يشتقّ منه ، فلا يقال : (أمر. يأمر. آمر. مأمور) بالمعنى المأخوذ من الشيء ، ولو كان معنى حدثيّا ، لاشتقّ منه.
بخلاف الأمر بمعنى الطلب ، فإنّ المقصود منه المعنى الحدثيّ وجهة الصدور والإيجاد ، ولذا يشتقّ منه فيقال : (أمر. يأمر. آمر. مأمور).
والدليل على أنّ لفظ الأمر مشترك بين معنيين : الطلب والشيء ، لا أنّه موضوع للجامع بينهما :
١. إنّ «الأمر» ـ كما تقدّم ـ بمعنى الطلب يصحّ الاشتقاق منه ، ولا يصحّ الاشتقاق منه بمعنى الشيء ؛ والاختلاف بالاشتقاق وعدمه دليل على تعدّد الوضع.
__________________
(١) والظاهر أنّ تفسير بعض الأصوليّين * للفظ الأمر بأنّه «الطلب بالقول» ليس القصد منه أنّ لهم اصطلاحا مخصوصا فيه ، بل باعتبار أنّه أحد مصاديق المعنى ؛ فإنّ الأمر كما يصدق على الطلب بالقول يصدق على الطلب بالكتابة أو الإشارة أو نحوهما. ـ منه رحمهالله ـ
(٢) وهو اعتبار العلوّ في الآمر.
__________________
* وهو المحقّق القميّ في قوانين الاصول ١ : ٨١.