(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أي فإذا جاءهم خصب وثمار ومواش وسعة فى الرزق والعافية قالوا لنا هذه أي نحن المستحقون لها بما لنا من التفوق على الناس فبلادنا بلاد خصب ورخاء ، وقد غاب عنهم أن يعلموا أن هذا من الله فعليهم أن يشكروه عليه ويقوموا بحق النعمة فيه ـ وإن أصابهم قحط وجدب ومرض وبلاء تشاءموا بموسى ، وقالوا إنما أصابنا هذا الشر بشؤم موسى وقومه وغفلوا عن سيئات أنفسهم وظلمهم لقوم موسى توهما منهم أن ذلك حق من حقوقهم.
ومثل هذه المعاملة هى التي يحب أن يعامل بها الأجنبى فى الوطن والدين كما هى الحال الآن فى معاملة أهل المغرب للبلاد الشرقية المستعمرة لهم.
(أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي إن كل ما يصيبهم من خير أو شر فهو بقضاء الله وتقديره وهو الذي وضع لنظام الكون سننا تكون فيه المسببات وفق أسبابها ، وبمقتضى هذه السنن والأقدار ينزل عليهم البلاء ويكون امتحانا واختبارا لهم ليتوبوا ويرجعوا عن ظلمهم وبغيهم على بنى إسرائيل وعن طغيانهم وإسرافهم فى جميع أمورهم ، ولكن أكثرهم لا يعلمون حكمة تصرف الخالق فى هذا الكون ولا أسباب الخير والشر ، ولا أن كل شىء فيه جاء بمشيئته وتدبيره.
وبعد أن ذكر أن هذه الحسنات والسيئات لم تردعهم عما هم فيه من الطغيان ـ ذكر أنه أصابهم بضروب أخرى من العذاب وهى فى أنفسها آيات بينات ـ وهم مع ذلك لم يرعوا عن كفرهم وعنادهم.
(وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أي إنك إن جئتنا بكل نوع من أنواع الآيات التي يستدل بها على أنك محق فى دعوتك ، لأجل أن تسحرنا بها وتصرفنا بها بدقة ولطف عما نحن فيه من ديننا ومن تسخيرنا لقومك فى خدمتنا ، فما نحن بمصدقين لك ولا بمتبعين رسالتك.