(إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي إن مثل ذلك الجزاء العظيم نفعل بالمشركين ، وفاقا لما تقتضيه الحكمة ويوجبه العدل بين العباد ، فيعطى كل عامل جزاء ما قدمت يداه ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
ثم فصل بعض ما استحقوا لأجله العذاب فقال :
(إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) أي إنهم كانوا إذا لقّنوا كلمة التوحيد نفروا منها وأعرضوا عن قبولها ، وصعّروا خدودهم أنفة وكبرا أن يسمعوا مثلها.
وذكروا السبب الذي لأجله امتنعوا من استجابة دعوته :
(وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ؟) أي أنترك عبادة الآلهة التي ورثناها عن آبائنا كابرا عن كابر ، ونستمع لقول شاعر يخلّط ويهذى؟ فمثله لا يستمع لكلامه ولا يصغى إلى قوله.
وقد جمعوا في كلامهم بين إنكار الوحدانية وإنكار الرسالة ، فإنكار الأولى فى استكبارهم حين سماع كلمة التوحيد ، وإنكار الثانية في قولهم : أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون.
ثم كذبهم سبحانه فيما قالوا فقال :
(بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) أي إنه صلّى الله عليه وسلم جاء بالحق الذي لا شك فيه وهو التوحيد الذي يثبته العقل ويؤيده البرهان ، وبمثله جاء الأنبياء السابقون ، فهو لم يكن بدعا بين الرسل ، بل سار على شاكلتهم واتبع نهجهم ، فكيف يكون من هذه حاله شاعرا أو مجنونا؟
(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ