ومن ذلك أخذ الأجرة على الطبابة التي هي أيضا من الواجبات الكفائية بل يجوز ذلك حتى مع تعيينها على الطبيب بالانحصار ، ضرورة أن الانحصار يوجب انقلاب ذلك الوجوب الكفائي إلى الوجوب العيني والواجب كفاية هو التكسب بها ، فيتعين عليه مع الانحصار ، فمعنى التكسب هو أخذ الأجرة بإزاء العمل ، فيجب على الطبيب مع التعيين عليه ـ معالجة المريض ـ ببيان الدواء بعد تشخيص الداء وأخذ العوض منه مع قصده ، وعلى المريض أو وليه بذل العوض له ، ومع الامتناع يجبره الحاكم على البذل ان كان له مال وإلا فله في ذمته ، فان مات فيستوفيه من بيت المال من الزكاة أو غيرها ومثله العمل لتحصيل النفقة الواجب عليه لنفسه ولمن يجب عليه نفقته فان المتوقف عليه حصول النفقة هو العمل المأخوذ عليه الأجرة وهو الواجب عليه مقدمة دون العمل المجاني.
وهنا مسلك آخر لجواز أخذ الأجرة على الطبابة وان تعينت عليه للانحصار سلكه شيخنا المرتضى في (مكاسبه) حيث قال : «ومن هذا الباب أخذ الطبيب الأجرة على حضوره عند المريض إذا تعين عليه علاجه
__________________
فكما ان غاية ما يقتضيه ضرورة نظام العيش عند شحة الطعام مثلا وقلته لزوم بذله لمحتاجة وحرمة حبسه واحتكاره على تجارة ومالكية زائدا على مقدار حاجتهم اليه ولا يقتضي ذلك لزوم التبرع به ومجانية بذله بل لمالكه أخذ عوضه والمعاوضة عليه مع من احتاج اليه ، هكذا مثل الخباز والبناء والنساج والخياط ونظائرهم ممن لا يستقيم النظام الا بأعمالهم إنما يلزمهم تهيئة أنفسهم للعمل المطلوب منهم عند الاحتجاج اليه ولا يلزمهم بذله لمن احتاجه بنحو التبرع والمجان بل للعامل أخذ الأجرة عليه واستحقاقها منه عند عدم تبرعه بعمله له ، وهو منشأ السيرة الجارية على أخذ الأجرة على العمل مع عدم استقامة النظام الا به.