قومك من هذا المثل يرتفع لهم ضجيج وجلبة فرحا وسرورا كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا أعيوا فى حجة ثم فتحت عليهم.
وقد روى أن عبد الله بن الزبعرى قبل إسلامه قال للنبى صلّى الله عليه وسلّم وقد سمعه يقول : «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ» أليس النصارى يعبدون المسيح وأنت تقول كان نبيا وعبدا صالحا ، فإن كان فى النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ، ففرح قريش وضحكوا وارتفعت أصواتهم.
(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟) أي إن آلهتنا ليست خيرا من عيسى ، فإذا كان عيسى من حصب جهنم كان أمر آلهتنا أهون.
(ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) أي ما ضربوا لك المثل إلا لأجل الجدل والغلبة فى القول لا لإظهار الحق ، فإن قوله : «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ» إنما ينطلق على الأصنام والأوثان ولا يتناول عيسى والملائكة ، ولكنهم قوم ذوو لدد فى الخصومة ، مجبولون على سوء الخلق واللجاج.
قال صاحب الكشاف : إن ابن الزبعرى بخبّه وخداعه وخبث دخلته لما رأى كلام الله ورسوله محتملا لفظه وجه العموم مع علمه بأن المراد به أصنامهم لا غير ـ وجد للحيلة مساغا فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله ، على طريقة المحك والجدال وحب المغالبة والمكابرة وتوقّح فى ذلك ، فتوفّر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أجاب عنه ربه بقوله : «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ» فدل به على أن الآية خاصة فى الأصنام اه.
أخرج سعيد بن منصور وأحمد فى جماعة عن أبى أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، ثم تلا هذه الآية»
ثم بين أن عيسى عبد من عبيده الذين أنعم عليهم بقوله :
(إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي ما عيسى بن مريم