إلا عبد أنعمنا عليه بالنبوة وروادفها ، فهو رفيع المنزلة علىّ القدر ، وقد جعلناه آية ، بأن خلقناه من غير أب ، وشرفناه بالنبوة ، وصيرناه عبرة سائرة ، تفتح للناس باب التذكر والفهم ، وليست مخالفة العادة بموجبة لعبادته كما يزعم النصارى ، بل مذكرة بعبادة الخالق الحكيم.
(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) أي ولو نشاء لجعلنا ذريتكم ملائكة يخلفونكم فى الأرض كما يخلفكم أولادكم ، كما خلقنا عيسى من أنثى بلا ذكر وجعلناه رجلا.
وقد يكون المعنى على التهديد والتخويف لقريش ويكون المراد ـ لو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلكم فى الأرض ملائكة يعمرونها ويعبدوننا.
والخلاصة ـ إننا لو نشاء لجعلنا فى الأرض عجائب كأمر عيسى بحيث يلد الرجل ملكا فيخلفه ، فباب العجائب وتغير السنن لاحد له عندنا ، فكم من نواميس خافية عليكم بيدنا تصريفها.
(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي وإن القرآن ليعلمكم بقيام الساعة ، ويخبركم عنها وعن أهوالها ، فلا تشكّنّ فيها واتبعوا هداى ، فهذا الذي أدعوكم إليه هو الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه وهو الموصل إلى الحق.
(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي ولا تغتروا بوساوس الشيطان وشبهه التي يوقعها فى قلوبكم ، فيمنعكم ذلك عن اتباعى ، فإن الذي دعوتكم إليه هو دين الله الذي اتفق عليه رسله وكتبه.
ثم علل نهيهم عن اتباعه بعداوته لهم فقال :
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي إنه مظهر لعداوته لكم ، غير متحاش ولا متكتم لها كما يدل على ذلك ما وقع بينه وبين أبيكم آدم من امتناعه عن السجود له ، وما ألزم به نفسه من إغواء جميع بنى آدم إلا عباد الله المخلصين.