وقصارى ما سلف ـ إنكم إذا تأملتم الحكم المنبثة فى السموات والأرض آمنتم بوحدة خالقها وقدرته ، فإذا ازددتم علما ، ازداد تثبتكم وفهمكم ، فصرتم موقنين بها لأن الإيقان يكون بتوافر الأدلة وتكاثرها ، ومتى أيقنتم بجمال هذا الكون وحسن نظامه أصبحتم من ذوى العقول الناضجة ، والأفكار النافذة فى أسرار هذا الكون وبديع صنعه ، فتستطيعون أن تنتفعوا بما فيه وتسخروه لمنافعكم فى هذه الحياة المليئة بالمطالب.
وإجمال ذلك ـ إن أول المراتب الإيمان بالله ، فإذا ازداد المرء علما وحكمة وبحثا فى دقائق الأشياء وعظائمها أصبح موقنا به ، وكلما ازداد بحثا ازداد عقله دراية وفهما لأسرار هذا الكون ، فسخره لمنافعه ، واستفاد من نظمه التي وجد عليها وعرف أنه لم يخلق عبثا ، بل خلق للانتفاع بما فى ظاهره وباطنه ، علويّه وسفليه ، أرضه وسمائه ، نوره وظلامه ، فكأنه يقول : إنا أمرناكم بالنظر فى العالم لتؤمنوا ، فإذا ازددتم علما أيقنتم بي ، وذلك كله مما يربى عقولكم ، ويكملها إلى أقصى حدود طاقتها البشرية.
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١))