أنزله العزيز الغالب القاهر لكل شىء ، الحكيم فى تدبيره لكل ما خلق ، فهو سبحانه مع قهره للعوالم المادية والروحية ، لا يتصرف إلا بالحكمة كما يشاهد فى النبات والحيوان والأجسام الإنسانية ودوران الكواكب وانتظامها فى سيرها ، فكل ذلك من القهر والغلبة لها مع الحكمة فى صنعها ، ومن ثم أعقب ذلك بنتائج العزة والحكمة فقال :
(إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي إن فى السموات السبع اللاتي منهن ينزل الغيث ، وفى الأرض التي منها يخرج الخلق ـ لأدلة واضحة للمصدقين بالحجج إذا تأملوها وفكروا فيها تفكير من يسلك السبيل القويم ، فيرتب المقدمات ، ليصل منها إلى النتائج ، التي هى لازمة لها بحكم النظام الفكرى ، والترتيب العقلي.
وبعد أن ذكر الأدلة الكونية التي فى الآفاق أتبعها بذكر الأدلة التي فى الأنفس فقال :
(وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي وإن فى خلق الله إياكم على أطوار مختلفة من تراب ثم من نطفة إلى أن تصيروا أناسىّ ، وفى خلق ما تفرق فى الكون من الدواب ـ لحججا لقوم يوقنون بحقائق الأشياء فيقررونها بعد العلم بصحتها.
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي وإن فى تعاقب الليل والنهار عليكم ، هذا بظلمته وسواده ، وذاك بنوره وضيائه ، وفيما أنزل الله من السماء من مطر تحيا به الأرض بعد موتها ، فتهتز بالنبات والزرع من بعد جدوبها وقحوطها ، فتخرج أرزاق العباد وأقواتهم ، وفى تصريف الرياح لمنافعكم شمالية مرة وجنوبية أخرى ، صبا مرة ، ودبورا أخرى ـ لأدلة وحججا لله على خلقه الذين يعقلون عنه حججه ويفهمون ما وعظهم به من الآيات والعبر.