(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي ثم جعلناك بعد بنى إسرائيل الذين وصفت لك صفتهم ـ على نهج خاص من أمر الدين ، فاتبع ما أوحى إليك ، ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون الذين لا يعلمون توحيد الله ولا شرائعه لعباده وهم كفار قريش ومن وافقهم فتهلك.
ثم علل النهى عن اتباع أهوائهم فقال :
(إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي إن هؤلاء الجاهلين بربهم لا يدفعون عنك شيئا مما أراده بك إن اتبعت أهواءهم وخالفت شريعته.
ثم بين أولياء الكافرين وأولياء المؤمنين فقال :
(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي وإن الكافرين ليتولى بعضهم شئون بعض فى الدنيا ، أما فى الآخرة فلا ولىّ ولا شفيع ولا نصير يجلب لهم ثوابا ولا يدفع عنهم عقابا.
(وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) أي والمتقون المهتدون وليهم الله وهو ناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور ، والكافرون أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، فما أبعد الفرق بين الولايتين :
شتان ما يومى على كورها |
|
ويوم حيّان أخى جابر |
وقصارى ما سلف ـ دم على ما أنت عليه من اعتمادك على ولاية ربك ونصرته ، وأعرض عما سواه.
ثم بين فضل القرآن وذكر ما يجلبه التمسك بحبله المتين فقال :
(هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي هذا القرآن دلائل للناس فيما يحتاجون إليه من أمر الدين ، وبينات تبصّرهم وجه الفلاح ، وتعرّفهم سبيل الهدى ، وهو هدى ورحمة لقوم يوقنون بصحته ، وهو تنزيل من رب العالمين.
وإنما خص الموقنين بأنه لهم هدى ورحمة ، لأنهم هم الذين ينتفعون بما فيه دون من كذّب به من أهل الكفر فإنه عليهم عمى.