وبعد أن ذكر سبحانه ما أخبر به نبيه صلّى الله عليه وسلّم من هذه الأحكام التي اشتمل عليها كتابه ـ أمره أن يخبرهم بأنه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ أجرا فقال :
(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي قل لهم : لا أسالكم على تبليغ ما أبلغكم به من هذا لدين القويم نقعا منكم فى دنياى ، لكن أسألكم أن تودوا الله ورسوله فى تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح ، قاله الحسن البصري ، ويدخل فى ذلك مودة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومودة قرابته ومودة ذوى القربى من المسلمين.
وقال ابن عباس : إلا أن تودونى فى نفسى لقرابتى منكم ، وتحفظوا القرابة التي بينى وبينكم. وعن الشعبي قال : أكثر الناس علينا فى هذه الآية «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فقال : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان واسط النسب فى قريش ، ليس بطن من بطونهم إلّا وله فيه قرابة فقال الله : قل لا أسألكم الآية ، أي أن تودونى لقرابتى منكم وتحفظوني بها.
وروى عن ابن عباس قال : «قالت الأنصار فعلنا وفعلنا وكأنهم فخروا ، فقال العباس لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم فى مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال أفلا تجيبون؟ قالوا ما نقول يا رسول الله؟ قال ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك؟
ألم يكذبوك فصدقناك؟ ألم يخذلوك فنصرناك؟ فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا أموالنا وما فى أيدينا لله ورسوله فنزلت هذه الآية» ، وعلى هذه الرواية فالآية مدنية ، والأصح أنها مكية.
(وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) أي ومن يعمل عملا فيه طاعة لله ورسوله نزد له فيه أجرا وثوابا ، فنجعل له مكان الحسنة عشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف إلى ما فوق ذلك فضلا منا ورحمة.