المعنى الجملي
بعد أن ذكر دلائل توحيده وعظيم قدرته وسلطانه بخلق السموات والأرض وجرى السفن ماخرات فى البحار ـ أردف ذلك التنفير من الدنيا وزخرفها ، لأن المانع من النظر فى الأدلة إنما هو الرغبة فيها طلبا للرياسة والجاه ، فإذا صغرت الدنيا فى عين المرء لم يلتفت إليها ، وانتفع بالأدلة ووجّه النظر إلى ملكوت السموات والأرض ، ثم أبان أن ما عند الله خير لمن آمن به ، وتوكل عليه ، واجتنب كبائر الذنوب والفواحش ، وكان منقادا له مطيعا لأوامره ، تاركا لنواهيه ، وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، ولم يبرم أمرا إلا بعد مشورة ، وانتصر لنفسه ممن ظلمه.
الإيضاح
(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي وكل ما تعطونه أيها الناس من الغنى والسعة فى الرزق والمال والبنين ، فهو متاع قليل ، تتمتعون به فى مدى قصير ، يذهب وينقضى ، ولله در القائل :
إنما الدّنيا فناء |
|
ليس للدنيا ثبوت |
إنما الدنيا كبيت |
|
نسجته العنكبوت |
وفى هذا تحقير لشأن هذه الحياة وزينتها وما فيها من النعيم الزائل.
ثم رغبهم فى ثواب الآخرة وما عند الله من النعيم المقيم فقال :
(وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي وما عند الله من الثواب والنعيم خير من زهرة الدنيا ، لأنه باق سرمدىّ ، وما فيها زائل فان ، والعقل قاض بترجيح الباقي على الفاني.
ثم بين أنه لا يكون خيرا إلا لمن اتصف بصفات :
(١) (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي للذين صدقوا الله وآمنوا برسوله.