نظير الأعمال في هذه الدنيا المتعقبة لدوام النتيجة ..
ترى أن الرجل الصالح يشيّد مؤسسة رفاهيّة في يومٍ واحد يتمتّع بها طول عمره ، أو يزرع نواة تمرة وحدة يستلذ بتمره طول حياته.
وفي مقابله ترى أنّ الرجل العاصي قد ينادم شرب الخمر اسبوعاً يبتلي معه لقرحة في معدته تؤلمه طول حياته ، أو يرتكب جناية في دقيقة واحدة فيُعمى بصره وتظلم الدنيا لديه جميع أيّام عُمره ، أو يشرب قليلاً من السم فيفقد دائماً حياته ، فالدنيا مزرعة الآخرة يحصد الانسان في آخرته ما يزرعه في دنياه من خيرٍ دائم أو شرّ دائم ..
فبذور خيره تنتج له النعم المخلّدة في الجنّة.
وبذور شرّه تعقّب له العقوبات المخلّدة في النار.
فنفس الأعمال الصالحة والسيّئة تعقّب الخير والشر ، لكن لا بنحو العليّة والمعلوليّة بحيث لا تتخلّف بل بنحو الاقتضاء ، فالأعمار الشريرة بنفسها تقتضي الخلود في النار (١).
وقد يستفاد من آي الكتاب الحكيم ، وأحاديث من الهداة المعصومين انّ العذاب أثر نفس العمل بل تجسّمه.
فمن الكتاب مثل :
١ ـ قوله تعالى : (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ) (٢).
__________________
(١) يؤيّد تجسّم وتبدّل العمل الخير بالنعيم وعمل الشر بالجحيم ، ما ذكروه في العلم الحديث ، فقد اكتشف علماء الفيزياء أخيراً أنّ القوّة في الطبيعة تتبدّل إلى المادّة كما انّ المادّة تتحوّل إلى القوّة فالأخير نظير تبدّل النفط إلى الطاقة الحراريّة ، والأوّل نظير تبدّل الطاقة الحراريّة إلى الذرّة كما فصّل بحثه كتاب (تبديل نيرو به مادّه) ، لاحظ : سدّ المفر على القائل بالقدر : ص ٢٩٢.
(٢) سورة البقرة ، الآية ١١٠.