وعمرا على مجنبتيه ، وعلى الخيل ضرار ، وعلى الرّجل (١) عياض. وكرهوا أن يصمدوا لهرقل ، وخلفهم ثمانون ألفا. وعلموا أنّ بإزاء فحل جند الروم وإليهم ينظرون ، وأن الشام بعدهم سلم. فلما انتهوا إلى أبي الأعور عوّموه (٢) إلى طبرية ، فحاصروهم ، ونزلوا على فحل من الأردن ـ وقد كان أهل فحل حين نزل بهم أبو الأعور تركوه وأرزوا إلى بيسان (٣) ـ فنزل شرحبيل بالناس فحلا ، والروم ببيسان. وبينهم وبين المسلمين تلك المياه والأوحال. وكتبوا إلى عمر بالخبر ، وهم يحدثون أنفسهم بالمقام ولا يريدون أن يريموا عن فحل حتى يرجع جواب كتابهم من عند عمر. ولا يستطيعون الإقدام على عدوّهم في مكانهم لما دونهم من الأوحال. وكانت العرب تسمي تلك الغزاة فحل وذات الردغة (٤) وبيسان. وأصاب المسلمون من ريف الأردن أفضل ما ترك فيه المشركون : مادّتهم متواصلة وخصبهم رغد. فاغترّهم القوم ، وعلى الروم سقلار بن مخراق ، ورجوا أن يكونوا على غرّة فأتوهم والمسلمون لا يأمنون مجيئهم ، فهم على حذر. وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلّا على تعبئة. فلما هجموا على المسلمين فغافصوهم (٥) لم يناظروهم ، فاقتتلوا بفحل كأشد قتال اقتتلوه قط ليلتهم ويومهم إلى الليل. فأظلم عليهم الليل وقد حاروا. فانهزموا وهم حيارى ، وقد أصيب رئيسهم سقلار بن مخراق والذي يليه فيهم نسطورس. وظفر المسلمون أحسن ظفر وأهنأه ، وركبوهم وهم يرون على أنهم على قصد وجدد ، فوجدوهم حيارى (٦)] هرقل (٧) لا يعرفون مأخذهم. فأسلمتهم هزيمتهم وحيرتهم إلى الوحل. فركبوه ولحق أوائل المسلمين بهم ، وقد وحلوا فركبوهم وما يمنعون يد لامس ، فوخزوهم بالرماح ، فكانت الهزيمة في فحل وكانت مقتلتهم في الرداغ فأصيب الثمانون ألفا لم يفلت إلّا الشريد وكان الله عزوجل يصنع للمسلمين وهم كارهون. النتوفة (٨) فكان عونا لهم على
__________________
(١) عن الطبري ومختصر ابن منظور ١ / ٢٠١ وفي مطبوعة ابن عساكر «الرحل».
(٢) في الطبري ومختصر ابن منظور : قدموه.
(٣) بيسان : مدينة بالأردن بالغور الشامي (ياقوت).
(٤) الردغة والردغة الجمع رداغ : الماء والطين والوحل الكثير الشديد (اللسان : ردغ).
(٥) أي فاجئوهم وأخذوهم على غرة.
(٦) إلى هنا ينتهي السقط من الأصل وخع.
(٧) كذا بالأصل ، واللفظة مقحمة ولم ترد في الطبري.
(٨) كذا ، وفي الطبري : كرهوا البثوق فكانت عونا.