مستحفظي الكتاب ، وأنصار الهدى والحق والرحمة. إنّ رحمة الله لا تنال وجنته لا تدخل بالأمانيّ ، ولا يؤتي (١) الله تعالى المغفرة والرحمة الواسعة إلّا الصّادق المصدق. ألم تسمعوا لقول الله عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إلى آخر الآية (٢). واستحيوا رحمكم الله من ربكم أن يراكم (٣) فرّارا عن عدوكم ، وأنتم في قبضته وليس لكم ملتحد من دونه ، ولا عز بغيره ، يمشي في الصفوف ويذكرهم ، حتى إذا بلغ من ذلك ما أحب ورأى من الناس الذي سره لهم ، ثم حرّضهم وانصرف إلى موقفه رحمهالله.
قالوا : وسار في الناس عمرو بن العاص وهو أحد الأمراء كمسير أخيه معاذ بن جبل فجعل يحرّضهم ويقول : يا أيها المسلمون غضوا الأبصار ، واجثوا على الركب ، وأشرعوا الرماح. فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم ، حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا في وجوههم وثبة الأسد. فوالذي يرضى للصدق ويثبت عليه ، ويمقت الكذب ، ويجزي بالإحسان إحسانا ، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرا كفرا وقصرا قصرا فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم فإنكم لو صدقتموهم الشدّ (٤) تطايروا تطاير أولاد الحجل. قالوا ثم يرجع فوقف في موقفه معهم أيضا.
قالوا ثم رجع أبو سفيان بن حرب ، وهو متطوع يومئذ ، إنما استأذن أمير المؤمنين عمر أن يخرج متطوعا مددا للمسلمين متطوعين ، فجعل الله في مخرجه بركة. فسار في صف المسلمين وهو يقول : يا معشر المسلمين أنتم العرب ، وقد أصبحتم في دار العجم منقطعين عن الأهل (٥) نائين عن أمير المؤمنين وأمداد الله (٦) ، وقد والله أصبحتم بإزاء عدو كثير عدده ، شديد عليكم حنقه ، وقد وترتموهم في أنفسهم وبلادهم ونسائهم ، والله لا ينجيكم من هؤلاء القوم ولا يبلغ رضوان الله غدا إلّا بصدق اللقاء والصبر في المواطن المكروهة ألا إنها سنة لازمة وإن الأرض وراءكم ، بينكم وبين أمير المؤمنين وجماعة
__________________
(١) عن مختصر ابن منظور وبالأصل «يولي».
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٩.
(٣) عن مختصر ابن منظور ١ / ٢١٥ وبالأصل «يراكم فراركم».
(٤) بالأصل وخع «السدّ» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٥) بالأصل وخع : «الأصل تأثير من» والصواب عن مختصر ابن منظور.
(٦) في خع : وأمداد المسلمين.