العاص ، فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس ويتقدم عمرا ، فقال له عمرو : وإنما قدمت عليّ مددا لي ، وليس لك أن تؤمني ، وأنا الأمير. وإنما أرسلك النبي صلىاللهعليهوسلم إليّ مددا. فقال المهاجرون : كلا بل أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه. فقال عمرو : لا بل أنتم مدد لنا ، فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف ـ وكان حسن الخلق ، لين الشّيمة ـ قال : انظرن (١) يا عمرو ، تعلمنّ أنّ آخر ما عهد إليّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن قال : «إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا» [٤٢٢] وإنك والله إن عصيتني لأطيعنّك. فأطاع أبو عبيدة ، فكان عمرو يصلي بالناس. فآب إلى عمرو جمع ـ فصاروا خمس مائة ـ فسار الليل والنهار حتى وطئوا بلاد بليّ ودوّخها (٢) وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع فلمّا سمعوا بك تفرقوا ، حتى انتهى إلى أقصى بلاد بليّ وعذرة وبلقين ، ولقي في آخر ذلك جمعا ليس بالكثير ، فتقاتلوا (٣) ساعة وتراموا بالنبل ، ورمي يومئذ عامر بن ربيعة بسهم فأصيبت ذراعه. وحمل المسلمون عليهم فهربوا ، وأعجزوا هربا في البلاد وتفرقوا ، ودوّخ عمرو ما هناك وأقام أياما لا يسمع لهم بجمع ولا بمكان صاروا فيه.
وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم ، وكانوا ينحرون ويذبحون ، فلم يكن في ذلك أكثر من ذلك ، لم يكن غنائم تقسم إلّا ما لا ذكر له.
أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا رضوان بن أحمد بن جالينوس ح.
وأخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو بكر البيهقي (٤) ، أنا محمد بن عبد الله الحافظ ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قالا : نا أحمد بن عبد الجبار ، نا يونس بن بكير عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي ، عن غزوة ذات السلاسل من أرض بليّ وعذرة قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمرو بن العاص يستنفر (٥) العرب إلى الإسلام ، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بليّ ، فبعثه
__________________
(١) في الواقدي : لتطمئنّ.
(٢) يعني أنه قهرها وغلبها واستولى عليها.
(٣) في الواقدي : فقاتلوا.
(٤) دلائل النبوة للبيهقي ٤ / ٣٩٩ وما بعدها.
(٥) عند البيهقي : ليستنفر.