دمشق وجدوا في حائط المسجد القبلي لوحا من حجر فيه كتاب نقش ، فأتوا به الوليد فبعث إلى الروم فلم يستخرجوه ، ثم بعث إلى العبرانيين فلم يستخرجوه ، ثم بعث إلى مكان (١) بدمشق من بقية الأشنان (٢) فلم يستخرجوه ، فدلّ على وهب بن منبّه فبعث إليه. فلما قدم عليه أخبره بموضع ذلك اللوح فوجدوه في ذلك الحائط ـ ويقال ذلك الحائط بناء (٣) هود النبي صلىاللهعليهوسلم ـ فلما نظر إليه وهب وحرك (٤) رأسه وقرأه فإذا هو :
بسم الله الرّحمن الرحيم. ابن آدم لو رأيت (٥) يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طويل ما ترجو من أملك ، وإنما تلقى ندمك لقد زلّت بك قدمك ، وأسلمك أهلك وحشمك ، وانصرف عنك الحبيب ، وودّعك القريب ، ثم صرت تدعا فلا تجيب ، فلا أنت إلى أهلك عائد ، ولا في عملك زائد ، فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة ، وقبل الحسرة والندامة ، وقبل أن يحل بك أجلك ، وتنزع منك روحك ، فلا ينفعك مال جمعته ولا ولد (٦) ولدته ولا أخ تركته ، ثم تصير إلى برزخ الثرى ومجاورة المولى.
فاغتنم الحياة قبل الموت ، والقوة قبل الضعف ، والصحة قبل السقم ، قبل أن تؤخذ بالكظم (٧) ويحال بينك وبين العمل.
وكتب في زمان سليمان ابن داود عليهماالسلام (٨).
أخبرنا أبو الفضائل بن محمود ، أنبأنا علي بن أحمد بن زهير ، أنبأنا علي بن شجاع ، أنبأنا أبو الحسين عبد الوهّاب بن جعفر ، أنبأنا محمد بن عبد الله
__________________
(١) كذا بالأصل وخع ، وفي مختصر ابن منظور ١ / ٢٥٦ «من كان».
(٢) الأصل وخع وفي مختصر ابن منظور : الأشبال.
(٣) الأصل وخع ومختصر ابن منظور ، وفي المطبوعة ٢ / ٩ : «من بناء».
(٤) الأصل وخع «وحرك» وفي مختصر ابن منظور : حرك بدون واو.
(٥) في مروج الذهب ٣ / ١٩٣ «لو عاينت ما بقي من يسير أجلك.» وفي الأصل وخع : «يسر» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٦) بالأصل : «مالا ... ولدا» والصواب ما أثبت.
(٧) الكظم : مخرج النفس من الحلق.
(٨) الكتاب في مروج الذهب ٣ / ١٩٣ باختلاف بعض ألفاظه وتعابيره ، وعقب المسعودي بعد إيراد نصه :
فأمر الوليد أن يكتب بالذهب على اللازورد في حائط المسجد : ربنا الله لا نعبد إلا الله ، أمر ببناء هذا المسجد ، وهدم الكنيسة التي كانت فيه ، عبد الله الوليد أمير المؤمنين في ذي الحجة سنة سبع وثمانين.
وهذا الكلام مكتوب بالذهب في مسجد دمشق إلى وقتنا هذا ، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.