مم أنفقته وما (١) طيب قال : «كم؟» قال : ما وعد الله ورسوله من الرزق والخير. وجاء رجل من الأنصار يقال له أبو عقيل بصاع من تمر فتصدّق.
وعمد المنافقون حين رأوا الصدقات ، فإذا كانت صدقة الرجل كثيرة تغامزوا به ، وقالوا : مرائي ، وإذا تصدق الرجل بيسير من طاقته تمر ، قالوا : هذا أحوج إلى ما جاء به. فلما جاء أبو عقيل بصاعه من تمر قال : بت ليلتي آجرّ بالخرير (٢) على صاعين ، والله ما كان عندي من شيء غيره وهو يعتذر هو يستحي. فأتيت بأحدهما وتركت الآخر لأهلي. فقال المنافقون : هذا أفقر إلى صاعه من غيره. وهم في ذلك ينتظرون يصيبون من الصّدقات غنيّهم وفقيرهم. فلما أزف خروج رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكثروا الاستئذان وشكوا شدة الحر ، وخافوا ، زعموا ، الفتنة إن غزوا ويحلفون بالله على الكذب. فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يأذن لهم لا يدري ما في أنفسهم. وبنى طائفة منهم مسجد النفاق يرصدون به الفاسق أبا عامر ، وهو عند هرقل قد لحق به وكنانة بن عبد يا ليل ، وعلقمة بن علاثة العامري. وسورة براءة تنزل في ذلك ارسالا. ونزلت فيها آية ليست فيها رخصة لقاعد.
فلما أنزل الله عزوجل : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (٣) اشتكى الضعيف الناصح لله ولرسوله ، والمريض والفقير إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : هذا أمر لا رخصة فيه. وفي المنافقين ذنوب مستورة لم تظهر حتى كان بعد ذلك. وتخلف رجال غير مستيقنين (٤) ، ولا ذوي علة. ونزلت هذه السورة بالتبيان والتفصيل في شأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم [ينظر هنا](٥) بمن اتبعه حتى بلغ تبوك ، فبعث منها علقمة بن مجزّز (٦) المدلجي إلى فلسطين ، وبعث خالد بن الوليد إلى دومة الجندل فقال : أسرع لعلك أن تجده خارجا يتقنص فتأخذه ، فوجده فأخذه وأرجف المنافقون في المدينة بكل خبر سوء ، فإذا بلغهم أن المسلمين أصابهم جهد وبلاء تباشروا به وفرحوا وقالوا : قد كنا نعلم ذلك ونحذّر منه ، وإذا أخبروا
__________________
(١) في خع ومختصر ابن منظور : وأطيب.
(٢) كذا بالأصل وخع ، والصواب ما في مختصر ابن منظور : «بالجرير» وهو حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدابة.
(٣) سورة التوبة ، الآية : ٤١.
(٤) كذا بالأصول ، وغير منقوطة في المطبوعة.
(٥) عن خع ، وفي المطبوعة : «فسار».
(٦) عن خع ومختصر ابن منظور ١ / ١٦٠ وبالأصل «محرز» وانظر الإصابة.