قماذين (١) ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر قال : دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عبد الرّحمن بن عوف قال : «تجهّز فإنّي باعثك في سريّة من يومك هذا ، ومن غد إن شاء الله» قال ابن عمر : فسمعت ذلك فقلت : لأدخلن فلأصلين مع النبي صلىاللهعليهوسلم الغداة فلأسمعن وصيته لعبد الرّحمن بن عوف قال : فغدوت فصلّيت فإذا أبو بكر ، وعمر ، وناس من المهاجرين فيهم عبد الرّحمن ، وإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل فيدعوهم إلى الإسلام ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعبد الرّحمن : «ما خلّفك عن أصحابك»؟ قال ابن عمر : وقد مضى أصحابه في السفر (٢) فهم معسكرون بالجرف (٣) وكانوا سبع مائة رجل. فقال : أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك ، وعليّ ثياب سفري. قال وعلى عبد الرّحمن بن عوف عمامة قد لفّها على رأسه. قال ابن عمر فدعاه النبي صلىاللهعليهوسلم فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده ، ثم عممه بعمامة سوداء فأرخى بين كتفيه منها ثم قال : «هكذا فاعتمّ يا ابن عوف» قال : وعلى ابن عوف السيف متوشّحَهُ. ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اغز بسم الله ، في سبيل الله فقاتل من كفر بالله ، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدا» قال ابن عمر : ثم بسط يده فقال : «أيها الناس اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم ؛ ما نقص مكيال قوم إلّا أخذهم الله بالسنين ، ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون ، وما نكث قوم عهدهم إلّا سلّط الله عليهم عدوهم ، وما منع قوم الزكاة إلّا أمسك الله عنهم قطر السماء ، ولو لا البهائم لم يسقوا ، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلّا سلّط عليهم الطاعون ، وما حكم قوم بغير القرآن إلّا ألبسهم الله شيعا ، وأذاق بعضهم بأس بعض» [٤١٠].
قال : فخرج عبد الرّحمن حتى لحق أصحابه به فسار حتى قدم دومة الجندل فلما حل بها دعاهم إلى الإسلام. فمكث بها ثلاثة أيّام يدعوهم إلى الإسلام ، وقد كانوا أبوا أول ما قدم يعطونه إلّا السيف ، فلما كان اليوم الثالث أسلم الأصبغ بن عمرو الكلبيّ (٤) وكان نصرانيا وكان رأسهم فكتب عبد الرّحمن إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يخبره بذلك ، وبعث رجلا من جهينة يقال له رافع بن مكيث ، وكتب يخبر النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قد أراد أن يتزوج فيهم.
__________________
(١) في الواقدي : قمّادين.
(٢) الواقدي : في السحر.
(٣) الجرف : بالضم فسكون ، موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام (معجم البلدان).
(٤) عن الواقدي وبالأصل «الكليبي».