لكلب ، إلى سوى وهو ماء لبهراء. بينهما خمس ليال. فلم يهتد [إلى](١) الطريق. فطلب دليلا فدلّ على رافع بن عميرة الطائي. فأتاه رافع فاستدل على الطريق ، فقال : أنشدك الله في نفسك وجيشك ، فإنها مفازة خمس ليال ليس فيها ماء مع مضلتها وإن الراكب المنفرد يسلكها فيخاف على نفسه المهلكة ، وما يسلكها إلّا مغرور. وما علمت أحدا أخذ فيها بثقل ، فقال خالد : إنه لا بدّ منه ، وقد كتب إليّ الأمير بعزمه ، فأحضرنا رأيك ونصيحتك ومرنا بأمرك. قال رافع : فابغني من الإبل عشرين سمان عظام ، فأتي بهن وظمّأهن حتى جهدن ، فأوردها الماء فشربن حتى تملأن ، ثم أمر بمشافرها فقطعن ، ثم كعمهن كيلا يجتررن ، ثم حل أذنابهن ، ثم قال لخالد : تزود واحمل من أطاق أن يصرّ (٢) على أذن ناقته ماء فليفعل فإنها المهالك. ففعل وساروا فسار معهم ، وسار خالد معه بالخيول والأثقال. فكلما سار يوما وليلة اقتطع منهن أربعة فأطعم لحمانها وسقى ما في أكراشها الخيل ، وشرب الناس ما كانوا حملوا. وبقي منزل واحد ، ونفدت الإبل ، وخشي خالد على أصحابه في آخر يوم. فأرسل خالد إلى رافع أن الإبل قد نفدت فما ترى؟ قال : قد انتهيت إلى الري فلا بأس عليك. اطلبوا شجرة مثل قعدة الرجل ، فعندها الماء. ورافع يومئذ رمد. فطلبوها فلم يصيبوها فرجعوا إلى رافع فقالوا : لم نصبها. فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هلكتم وهلكت ، لا أبا لكم ، اطلبوها فطلبوها فأصابوها ، قد قطعت الشجرة وقد بقي منها بقية. فكبّر وكبّر الناس. فقال : احتفروا ، فاحتفروا عينا عذبة مروية. فترووا وسقوا وحملوا ، فقال رافع :
إن هذه المفازة ما سلكتها قط إلّا مرة واحدة مع أبي وأنا غلام.
قال ابن إسحاق : وبلغني أن خالدا لما نفذت الإبل خاف العطش. قال لرافع بن عميرة وهو أرمد ، ويحك ما عندك؟ قال : أدركت الري إن شاء الله. [انظر](٣) هل ترى علمين كأنهما ندبان؟ قال : نعم. فلما دنا من العلمين قال : انظروا هل ترون شجرة من عوسج كقعدة الرجل؟ قالوا : لا والله ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون. على مثل حديث الأول. فقال شاعر من المسلمين :
لله عينا رافع أنّى اهتدى |
|
فوّز من قراقر إلى سوى |
__________________
(١) عن مختصر ابن منظور.
(٢) بالأصل «يصبر» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٣) عن المطبوعة.