بطبقة أبيه ، ليس يستقصى وصفه بمعان ، ولا يعبّر عن شرحها بلسان ، فقصائده الطوال لا يفرّق بينها وبين شعر ابن الوليد (١) ، ولا ينكر على منشدها نسبتها إلى لبيد ، وهي على طرف لسانه ، بحسن بيانه ، غير محتفل في طولها ، ولا يتعثّر لفظه العالي في شيء من فضولها ، والمقطّعات فأحلى من الشّهد ، وألذّ من النوم بعد طول السّهر (٢) ، في كلّ معنى غريب وشرح عجيب (٣).
كتب على حائط دار سكنها بالموصل (٤) :
دار سكنت بها كرها وما سكنت |
|
روحي إلى شجن فيها ولا سكن |
والقبر أستر لي منها وأجمل بي |
|
إن صدّني الدّهر عن عودي إلى وطني |
وكتب إلى أخيه (٥) :
عجمتني الخطوب حينا فلمّا |
|
عجزت أن تطيق مني مساغا |
لفظتني وسالمتني فقد عا |
|
د حذاري أمنا وشغلي فراغا |
وأخو الصبر في الحوادث إن لم |
|
يلقه الحين مدرك ما أراغا |
وكتب على حائط جامع (٦) :
هذا كتاب فتى أحلّته النّوى |
|
أوطانها وثبت به أوطانه |
شطّت به عن من يحبّ دياره |
|
وتفرّقت أيدي سبا اخوانه |
متتابع الزّفرات بين ضلوعه |
|
قلب يبوح ببثّه خفقانه |
تأوي إليه مع الظّلام همومه |
|
وتذوده عن نومه وأشجانه |
لكنه لا يستكين لحادث |
|
خوف الحمام ولا يراع جنانه |
ألفت مقارعة الكماة جياده |
|
وسرى الهواجر لا يني ذملانه (٧) |
__________________
(١) يعني البحتري ، ولعله يريد مسلم بن الوليد ، صريع الغواني.
(٢) بغية الطلب ومختصر ابن منظور : السهد.
(٣) بغية الطلب ٣ / ١٣٦١ ـ ١٣٦٢.
(٤) البيتان ليسا في ديوانه.
(٥) الأبيات ليست في ديوانه.
(٦) ديوانه ص ١٥٠.
(٧) بالأصل «زملايه».