فهذه النصوص تدعونا للقول باتّفاق أهل العلم على الاحتجاج به وإن كان سليمان بن حرب قد شذّ عنهم بقوله : واللّٰه لو جهد جهده ـ يعنى عفان ـ أن يضبط في شعبة حديثا واحدا ما قدر ، كان بطيئا ، رديء الحفظ ، بطيء الفهم (١).
فكلام سليمان بن حرب لا يقلّل من مكانة عفّان شيئا ، لانفراده بذلك ، ولأنّ عفّان راجح على سليمان بن حرب.
نعم ، أورده ابن عديّ في كاملة والذهبي في ميزانه وابن حجر ضمن المطعونين من رجال صحيح البخاري ، إلّا أنّهم قد دافعوا عنه والتزموا بكونه ثقة ، وبعد هذا فلا يؤثّر فيه قول شاذّ كقول سليمان.
قال ابن عديّ : عفّان أشهر وأوثق وأصدق ، وأوثق من أن يقال فيه شيء ممّا ينسب إلى الضعف (٢).
وقال الذهبيّ : عفّان أجلّ وأحفظ من سليمان (٣).
وقال ابن حجر : والكلام في إتقانه كثير جدّا (٤).
والحاصل : إنّ الطريق الثاني صحيح على شرط البخاري ـ كما هو واضح.
وأمّا جملة «فمسح يديه وذراعيه ووجهه ورأسه ورجليه» فيحمل الأوّلان منه أي «فمسح يديه وذراعيه ووجهه» على الغسل يقينا لإجماع المسلمين على أنّ فرضهما الغسل وأنّ المسح لا يجزي فيهما ، وأمّا المسح على الرأس والرجلين فهو على معناه الحقيقي وعلى قول كل من الشيعة والسنّة ، فأمّا على قول الشيعة فواضح ، وأمّا على قول أهل السنّة ، فلأنّهم فسّروا جملة : هذا وضوء من يحدث ، بأنّه وضوء على طهارة يكتفى ـ على ضوئه ـ بالمسح على القدمين ، وإن كان فرضها الأوّلي هو الغسل.
وسيأتيك عن قريب توضيح معنى هذه الجملة وأنّ المقصود منها ليس الّذي فهمه أعلام أهل السنّة.
وعلى كل حال : فالّذي ينبغي أن يقال هنا : هو أنّ المستفاد من مرويات النزّال
__________________
(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٨١ ، الكامل في ضعفاء الرجال ٥ : ٣٨٤. مقدمة فتح الباري : ٤٢٥.
(٢) الكامل ، لابن عدي ٥ : ٣٨٥.
(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٨١.
(٤) مقدمة فتح الباري : ٣٨٥.