فلمّا كان ذلك غاية قبضها وعلاء مقامها في القبض ، بسطت من سبعة (١) أوجه :
أحدها : أن كلّمها الوليد. قال تعالى : (فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي) ، قرئ بفتح الميم (٢).
فقال قوم : ناداها الملك من مكان منخفض عنهما.
وقال آخرون : ناداها الوليد ، وهو الأظهر لوجهين :
أحدهما : أنّ (تحت) في حقّ الوليد أمتّ (٣). والثّاني : أنّ تكليم الوليد آنس في الخطاب من كلام الملك ، على ما تقدم.
والثّاني : من تقاسيم البسط : أن كلّمها وليدها ولم يكلّمها وليد غيرها ، لأنّ تكليم ولدها من بركات أحوالها.
الثالث : أن كلّمها في الحين ، فإنّ فيه تنفيس خناق قبضها بسرعة البشارة.
الرابع : أن كلّمها بالبشارة : (أَلاَّ تَحْزَنِي).
الخامس : أن أخبرها أنّه سريّ ، أي رفيع القدر عند الله تعالى. وما يحبّ أحد أن يكون غيره أحسن منه إلا ولده (٤).
__________________
(١) في سورة البقرة : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢ / ٢٤٥] ، قال القرطبي : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) هذا عامّ في كل شيء :فهو القابض الباسط.
(٢) قرئ بكسر الميم : (من تحتها) وقرئ بفتح الميم (من تحتها). وانظر معجم القراءات القرآنية ٤ / ٣٩.
(٣) أقرب إلى المقصد ، ومجرى القصّة.
(٤) هذه العبارة وما يقرب منها في جملة الأقوال السائرة. وسمعت أستاذي الدكتور عمر فرّوخ رحمهالله يزيد فيها ، قال : «... وتلميذه إن كان نجيبا». كان ذلك في مجلس ضم مجموعة من الأساتذة والعلماء في دبيّ ١٩٨٠ ، وكنا نسجّل برنامجا ثقافيا مع الأستاذ ظافر القاسمي رحمهالله. وكنت في جيل تلاميذهم ، وفيهم الدكتور صبحي الصالح أيضا ، رحمهالله.