فإن قيل : إنّما كانت تلك الأفعال منهم على سبيل إظهار المعجزة لكونهم أنبياء ، ومريم ـ عليهاالسلام ـ لم تكن نبيّة.
قلنا : ليس الأمر كذلك ، بدليل أنّهم لو تحدّوا بتلك الخروق من غير تناول منهم لها فوقعت على وفق تحدّيهم بها لصحّت المعجزة ، وإذا صحّت المعجزة دون التّناول باللّمس والضّرب ، علم أنّ تلك الأفعال وقعت إكراما لهم زائدا على ثبوت المعجزة ، وأيضا فإنّ اللّمس والضرب والتّفل ليس من قبيل المعجزات ، فإنّه معتاد ، والمعتاد لا يكون معجزة.
فهذا هذا ، ومن اعترض من المقلّدة بالجزاف فعليه الدّليل ، ولا دليل ، فإنّ القوم الّذين قالوا ذلك لم يأتوا بدليل سوى ما نقرره من أنّ التوكّل فوق الكسب.
وهذه مسألة قد حفيت فيها الأقدام ، واضطربت الأفهام ، والأظهر فيها أنّ الكسب مع التوكّل إعلاء ، فإنّه يقع بالظّاهر ويبقى الباطن متوكّلا ، فإذا تصوّر الجمع بين الظاهر والباطن فالكسب الحلال ممّن جمع بينهما ، فهو إعلاء مقام ، لكونهما مقامين وعملين ، فلا منافرة بين التوكّل والكسب لاختلاف المجال. ومريم ـ عليهاالسلام ـ صدّيقة. ومن بعض مقامات الصدّيق الجمع بين الكسب والتوكّل.
وفي الكسب فائدة كثيرة (١) فإنّه مما ينفع النّاس ، ويصلح شئونهم ، ويقوم بمنافعهم في لباسهم وأقواتهم.
فلو ترك النّاس الكسب بالجملة لهلكت الأرض ومن عليها ، فقد تصورت فيه المنفعة العظمى.
وقد جاء عنه عليهالسلام أنه قال (٢) : «سيّد القوم خادمهم».
__________________
(١) في الأصل : فائدة كثيرة. وتقرأ أيضا ـ من جهة المعنى ـ (فائدة كبيرة).
(٢) ورد الحديث في كشف الخفاء ١ / ٥٦١ ، وضعّفه.