في كلام العرب. يقال : باع فلان إذا اشترى ، وباع من غيره وأنشد قول طرفة :
ويأتيك بالأنباء من لم تبِع له |
بتاتاً ولم تضرب له وَقت موعد |
أراد من لم تشتر له زاداً. وأمّا قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يَخْطِب الرجل على خِطْبة أخيه ولا يِبعْ على بيع أخيه» ، فإن أبا عبيد قال : كان أبو عبيدة وأبو زيد وغيرهما من أهل العلم يقولون : إنما النهي في قوله : «لا يبيع على بيع أخيه» إنما هو : لا يشتري على شراء أخيه ، فإنما وقع النهي على المشتري لا على البائع ، لأن العرب تقول : بعت الشيء بمعنى اشتريته.
قال أبو عبيد : وليس للحديث عندي وجه غير هذا لأن البائع لا يكاد يدخل على البائع ، وإنما المعروف أن يُعطَى الرجل بسلعته شيئاً فيجيء مشتر آخر فيزيد عليه.
قلت : وأخبرني عبد الملك عن الربيع عن الشافعيّ أنه قال في قوله : «ولا يبيع الرجل على بيع أخيه» هو أن يشتري الرجل من الرجل سِلْعة ولَمّا يتفرقا عن مَقامهما ، فنَهى النبي صلىاللهعليهوسلم أن يَعرض رجل آخر سلعة أخرى على المشتري تُشْبِه السلعة التي اشترى ، ويبيعها منه ؛ لأنه لعله أن يردّ السلعة التي اشترى أوّلاً ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم جعل للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا فيكون البائع الآخر قد أفسد على البائع الأوّل بيعه ، ثم لعل البائع الآخر يختار نقض البيع فيفسد على البائع والمبتاع بيعه. قال : ولا أنهى رجلاً قبل أن يتبايع المتبايعان ، وإن كان تساوما ، ولا بعد أن يتفرقا ـ عن مقامهما الذي تبايعا فيه ـ عن أن يبيع أيُ المتبايعين شاء ؛ لأن ذلك ليس ببيع على بيع غيره فينهى عنه. قال وهذا يوافق حديث «المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا». فإذا باع رجل رجلاً على بيع أخيه في هذه الحال فقد عصى الله إذا كان عالماً بالحديث فيه ، والبيع لازم لا يفسد.
قلت : البائع والمشتري سواء في الإثم إذا باع على بيع أخيه ، أو اشترى على شراء أخيه ؛ لأن كل واحد منهما يلزمه اسم البائع ، مشترياً كان أو بائعاً ، وكلُّ منهيّ عن ذلك والله أعلم.
وقال الشافعي : هما متساومان قبل عَقْد الشِّرَى ، فإذا عقد البيع فهما متبايعان ، ولا يسميان بيِّعين ولا متبايعين وهما في السَوْم قبل العقد.
قلت : وقد تأوّل بعض مَن يحتجّ لأبي حنيفة وذويه ؛ وقولهم : لا خيار للمتبايعين بعد العقد بأنهما يسميَّان متبايعين وهما متساومان قبل عقدهما البيع. واحتجّ في ذلك بقول الشماخ في رجل باع قوساً :
فوافى بها بعض المواسم فانبرى |
لها بَيّع يُغْلي لها السومَ رائز |
قال فسمّاه بَيّعاً ، وهو سائم.
قلت : وهذا وهَم وتمويه. ويردّ ما تأوّله هذا المحتجُّ شيآن. أحدهما أن الشماخ قال هذا الشعر بعد ما انعقد البيع بينهما ، وتفرقا عن مَقَامهما الذي تبايعا فيه ، فسمَّاه بَيِّعاً بعد ذلك ، ولو لم يكونا أتَمّا البيع لم يسمّه بَيّعاً. وأراد بالبيّع : الذي اشترى. وهذا لا يكون