قلت : وفيه وجه ثالث أحسبه الصواب الذي لا يجوز غيره ، وهو أن قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن يأكل في مِعًى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» مَثَل ضربه للمؤمن ، وزهده في الدنيا وقناعته بالبُلْغة من العيش ، وما أوتي من الكفاية ، وللكافر واتّساع رغبته في الدنيا وحرصه على جمع حُطَامها ، ومنعها من حقّها ، مع ما وصف الله الكافر من حرصه على الحياة ، وركونه إلى الدنيا واغتراره بزُخرفها ، فالزهد في الدنيا محمود ؛ لأنه من أخلاق المؤمنين ، والحرص عليها وجمع عَرَضها مذموم ؛ لأنه من أخلاق الكفار. ولهذا قيل : الرُغْب شؤم ، وليس معناه كثرة الأكل دون اتساع الرغبة في الدنيا والحرص على جمعها ، فالمراد من الحديث في مَثَل الكافر استكثاره من الدنيا والزيادة على الشبع في الأكل داخل فيه ، ومثلِ المؤمن زهدُه في الدنيا وقلّة اكتراثه بأثاثها واستعداده للموت والله أعلم.
وقال شمر : قال الفراء : جاء في الحديث «المؤمن يأكل في مِعًى واحدة».
قال الفراء ومِعًى واحد أعجب إليّ. قال : المِعَى أكثر الكلام على تذكيره ، يقال هذا معى وثلاث أمعاء ، ربما ذهبوا به إلى التأنيث ، كأنه واحد دَلّ على جمع. وقال القطامي :
كأن نُسُوع رحلي حين ضمت |
حوالب غُرَّزاً ومعى جياعا |
وقال الليث : واحد الأمعاء يقال : مِعًى ومِعَيان وأمعاء. قال وهو جميع ما في البطن مما يتردّد فيه من الحوايا كلها.
شمر عن ابن الأعرابي قال : الأمعاء ما لان من الأرض وانخفض. وقال رؤبة :
* يحبو إلى أصلابه أمعاؤه*
قال : والأصلاب : ما صَلُب من الأرض.
وقال الأصمعي : الأمعاء : مسايل صغار.
وقال أبو عمرو : يحبو أي يميل ، وأصلابه : وسطه ، وأمعاؤه : أطرافه.
وقال أبو خَيْرة المِعَى غير ممدود الواحدة أظن مِعَاة : سهلة بين صلبين وقال ذو الرمة :
تراقب بين الصُلْب من جانب المِعَى |
معَى واحفٍ شما بطيئاً نزولها |
وقال الليث : المِعَى من مذانب الأرض ، كل مِذْنب بالحضيض يناصي مِذْنباً بالسَنَد.
والذي في السفح هو الصلب.
قلت : وقد رأيت بالصَمَّان في قيعانها مَسَاكَاتٍ للماء وإخَاذاً متحوّية تسمى الأمعاء ، وتسمى الحوايا ، وهي شبه الغُدْران ، غير أنها متضايِقة لا عَرْض لها.
وربما ذهبت في القاع غَلْوة. والعرب تقول للقوم إذا أخصبوا وصلحت حالهم هم في مثل المِعَى والكَرِش.
وقال الراجز :
يا أيَهذا النائم المفترشْ |
لستَ على شيء فقم وانكمش |
|
لستَ كقوم أصلحوا أمرهم |
فأصبحوا مثلَ المعى والكرش |