وعقلت الأمة من ذلك أن العبد بمثابتها إذ كان المعنى الموجب لنقصان الحد معقولا من الظاهر وهو الرق وهو موجود في العبد* وكذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) خص المحصنات بالذكر وعقلت الأمة حكم المحصنين أيضا في هذه الآية إذا قذفوا إذ كان المعنى في المحصنة العفة والحرية والإسلام فحكموا للرجل بحكم النساء بالمعنى* وهذا يدل على أن الأحكام إذا عقلت بمعان فحيثما وجدت فالحكم ثابت حتى تقوم الدلالة على الاقتصار على بعض المواضع دون بعض.
(فصل) قوله تعالى (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) يدل على جواز عطف الواجب على الندب لأن النكاح ندب ليس بفرض وإيتاء المهر واجب ونحوه قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ثم قال (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) ويصح عطف الندب على الواجب أيضا كقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) فالعدل واجب والإحسان ندب وقوله تعالى (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) قال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وعطية العوفى هو الزنا وقال آخرون هو الضرر الشديد في دين أو دنيا من قوله تعالى (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) وقوله (لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) راجع إلى قوله (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) وهذا شرط إلى المندوب إليه من ترك نكاح الأمة والاقتصار على تزوج الحرة لئلا يكون ولده عبدا لغيره فإذا خشي العنت ولم يأمن مواقعة المحظور فهو مباح لا كراهة فيه لا في الفعل ولا في الترك ثم عقب ذلك بقوله تعالى (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فأبان عن موضع الندب والاختيار هو ترك نكاح الأمة رأسا فكانت دلالة الآية مقتضية لكراهية نكاح الأمة إذا لم يخض العنت ومتى خشي العنت فالنكاح مباح إذا لم تكن تحته حرة والاختيار أن يتركه رأسا وإن خشي العنت لقوله (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وإنما ندب الله تعالى إلى ترك نكاح الأمة رأسا مع خوف العنت لأن الولد المولود على فراش النكاح من الأمة يكون عبدا لسيدها ولم يكره استيلاد الأمة بملك اليمين لأن ولده منها يكون حرا وقد روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما يوافق معنى الآية في كراهة نكاح الأمة حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا محمد بن الفضل بن جابر السقطي قال حدثنا محمد بن عقبة بن هرم السدوسي قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم انكحوا