ثم لم يجعل بعد الضرب للزوج إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم منهما من الظالم ويتوجه حكمه عليهما وروى شعبة عن عمرو بن مرة قال سألت سعيد بن جبير عن الحكمين فغضب وقال ما ولدت إذ ذاك فقلت إنما أعنى حكمى شقاق قال إذا كان بين الرجل وامرأته درء وتدارؤ بعثوا حكمين فأقبلا على الذي جاء التدارؤ من قبله فوعظاه فإن أطاعهما وإلا أقبلا على الآخر فإن سمع منهما وأقبل إلى الذي يريدان وإلا حكما بينها فما حكما من شيء فهو جائز وروى عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير في المختلعة يعظها فإن انتهت وإلا هجرها وإلا ضربها فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان فيبعث حكما من أهلها وحكما من أهله فيقول الحكم الذي من أهلها يفعل كذا ويفعل كذا ويقول الحكم الذي من أهله تفعل به كذا وتفعل به كذا فأيهما كان أظلم رده إلى السلطان وأخذ فوق يده وإن كانت ناشزا أمروه أن يخلع* قال أبو بكر وهذا نظير العنين والمجبوب والإيلاء في باب أن الحاكم هو الذي يتولى النظر في ذلك والفصل بينهما بما يوجبه حكم الله فإذا اختلفا وادعى النشوز وادعت هي عليه ظلمه وتقصيره في حقوقها حينئذ بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ليتوليا النظر فيما بينهما ويردا إلى الحاكم ما يقفان عليه من أمرهما* وإنما أمر الله تعالى بأن يكون أحد الحكمين من أهلها والآخر من أهله لئلا تسبق الظنة إذا كانا أجنبيين بالميل إلى أحدهما فإن كان أحدهما من قبله والآخر من قبلها زالت الظنة وتكلم كل واحد منهما عمن هو من قبله ويدل أيضا قوله (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) على أن الذي من أهله وكيل له والذي من أهلها وكيل لها كأنه قال فابعثوا رجلا من قبله ورجلا من قبلها فهذا يدل على بطلان قول من يقول إن للحكمين أن يجمعا إن شاءا وإن شاءا فرقا بغير أمرهما* وزعم إسماعيل بن إسحاق أنه حكى عن أبى حنيفة وأصحابه أنهم لم يعرفوا أمر الحكمين قال أبو بكر هذا تكذب عليهم وما أولى بالإنسان حفظ لسانه لا سيما فيما يحكيه عن العلماء قال الله تعالى (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ومن علم أنه مؤاخذ بكلامه قل كلامه فيما لا يعينه وأمر الحكمين في الشقاق بين الزوجين منصوص عليه في الكتاب فكيف يجوز أن يخفى عليهم مع محلهم من العلم والدين والشريعة ولكن عندهم أن الحكمين ينبغي أن يكونا وكيلين لهما أحدهما وكيل المرأة والآخر وكيل الزوج وكذا روى عن