لو خلينا وظاهره لم يدل على أن فاعل ذلك محكوم له بالإسلام لأنه جائز أن يكون المراد أن لا تنفوا عنه الإسلام ولا تثبتوه ولكن تثبتوا في ذلك حتى تعلموا منه معنى ما أراد بذلك ألا ترى أنه قال (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) فالذي يقتضيه ظاهر اللفظ الأمر بالتثبت والنهى عن نفى سمة الإيمان عنه وليس في النهى عن نفى سمة الإيمان عنه إثبات الإيمان والحكم به ألا ترى أنا متى شككنا في إيمان رجل لا نعرف حاله لم يجز لنا أن نحكم بإيمانه ولا بكفره ولكن نتثبت حتى نعلم حاله وكذلك لو أخبرنا مخبر بخبر لا نعلم صدقه من كذبه لم يجز لنا أن نكذبه ولا يكون تركنا لتكذيبه تصديقا منا له كذلك ما وصفنا من مقتضى الآية ليس فيه إثبات إيمان ولا كفر وإنما فيه الأمر بالتثبت حتى نتبين حاله إلا أن الآثار التي قد ذكرنا قد أوجبت له الحكم بالإيمان لقوله صلىاللهعليهوسلم أقتلت مسلما وقتلته بعد ما أسلم وقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها فأثبت لهم حكم الإسلام بإظهار كلمة التوحيد وكذلك قوله في حديث عقبة بن مالك الليثي إن الله تعالى أبى على أن أقتل مؤمنا فجعله مؤمنا بإظهار هذه الكلمة وروى أن الآية نزلت في مثل ذلك فدل ذلك على أن مراد الآية إثبات الإيمان له في الحكم بإظهار هذه الكلمة وقد كان المنافقون يعصمون دماءهم وأموالهم بإظهار هذه الكلمة مع علم الله تعالى باعتقادهم الكفر وعلم النبي صلىاللهعليهوسلم بنفاق كثير منهم فدل ذلك على أن قوله (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) قد اقتضى الحكم لقائله بالإسلام قوله تعالى (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعنى به الغنيمة وإنما سمى متاع الدنيا عرضا لقلة بقائه على ما روى في الرجل الذي قتل الذي أظهر الإسلام وأخذ ما معه* قوله تعالى (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى به السير فيها وقوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) قرئ بالتاء والنون وقيل إن الاختيار التبين لأن التثبت إنما هو للتبين والتثبت إنما هو سبب له وقوله تعالى (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) قال الحسن كفارا مثلهم وقال سعيد بن جبير كنتم مستخفين بدينكم بين قومكم كما استخفوا* وقوله تعالى (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) يعنى بإسلامكم كقوله تعالى (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) وقيل فمن الله عليكم بإعزازكم حتى أظهرتم دينكم* قوله تعالى (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) الآية يعنى به تفضيل