يهاجرون إلى المدينة فبين الله تعالى بما ذكر أنهم ظالمون لأنفسهم بنفاقهم وكفرهم
وبتركهم الهجرة وهذا يدل على فرض الهجرة في ذلك الوقت لو لا ذلك لما ذمهم على تركها
ويدل أيضا على أن الكفار مكلفون بشرائع الإسلام معاقبون على تركها لأن الله قد ذم
هؤلاء المنافقين على ترك الهجرة وهذا نظير قوله تعالى
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ
ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما
تَوَلَّى) فذمهم على ترك اتباع سبيل المؤمنين كما ذمهم على ترك
الإيمان ودل بذلك على صحة حجة الإجماع لأنه لو لا أن ذلك لازم لما ذمهم على تركه
ولما قرنه إلى مشاقة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهذا يدل على النهى عن المقام بين أظهر المشركين لقوله
تعالى (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ
اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) وهذا يدل على الخروج من أرض الشرك إلى أى أرض كانت من
أرض الإسلام وروى عن ابن عباس والضحاك وقتادة والسدى إن الآية نزلت في قوم من أهل
مكة تخلفوا عن الهجرة وأعطوا المشركين المحبة وقتل قوم منهم ببدر على ظاهر الردة ثم
استثنى منهم الذين أقعدهم الضعف بقوله (إِلَّا
الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ
حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) يعنى طريقا إلى المدينة دار الهجرة وقوله تعالى (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ
عَنْهُمْ) قال الحسن عسى من الله واجبة وقيل إنها بمنزلة الوعد
لأنه لا يخبر بذلك عن شك وقيل إنما هذا على شك العباد أى كونوا أنتم على الرجاء
والطمع قوله تعالى (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي
سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) قيل في المراغم أنه أراد متسعا لهجرته لأن الرغم أصله
الذل تقول فعلت ذلك على الرغم من فلان أى فعلته على الذل والكره والرغام التراب
لأنه يتيسر لمن رامه مع احتقاره وأرغم الله أنفه أى ألصقه بالتراب إذ لا لا له
فقال تعالى (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي
سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) أى يجد في الأرض متسعا سهلا كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فمراغم وذلول متقاربان في المعنى وقيل في المراغم إنه
ما يرغم به من كان يمنعه من الهجرة* وأما قوله تعالى (وَسَعَةً) فإنه روى عن ابن عباس والربيع بن أنس والضحاك أنه السعة
في الرزق وروى عن قتادة أنه السعة في إظهار الدين لما كان يلحقهم من تضييق
المشركين عليهم في أمر دينهم حتى يمنعوهم من إظهاره وقوله عز وجل (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ
مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ