أن النبي صلىاللهعليهوسلم صلى بكل طائفة ركعتين فجائز أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم قد كان مقيما حين صلاها كذلك ويكون قولهما أنه سلم في الركعتين المراد به تسليم التشهد وذلك لأن ظاهر الكتاب ينفيه على الوجه الذي يقتضيه ظاهر الخبر لأن الله تعالى قال (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) وظاهر الخبر يوجب أن يكونوا مصلين مع النبي صلىاللهعليهوسلم بعد السجود على الحال التي كانوا عليها قبله* فإن قيل كيف يكون مقيما في البادية وهي ذات الرقاع وليست موضع إقامة ولا هي بالقرب من المدينة* قيل له جائز أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم خرج من المدينة لم ينو سفر ثلاث وإنما نوى في كل موضع يبلغ إليه سفر يومين فيكون مقيما عندنا إذ لم ينشئ سفر ثلاث وإن كان في البادية ويحتمل أن يكون فعلها في الوقت الذي يعاد الفرض فيه وذلك منسوخ عندنا وعلى أنه لو كان كذلك لم يكن صلاة خوف وإنما هي صلاة على هيئة سائر الصلوات ولا خلاف أن صلاة الخوف مخالفة لسائر الصلوات المفعولة في حال الأمن* وأما القول الذي روى عن أبى يوسف في أنه لا تصلى بعد النبي صلىاللهعليهوسلم صلاة الخوف وأنه ينبغي أن تصلى عند الخوف بإمامين فإنه ذهب فيه إلى ظاهر قول الله تعالى (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) فخص هذه الصلاة بكون النبي صلىاللهعليهوسلم فيهم وأباح لهم فعلها معه على هذا الوجه ليدركوا فضيلة الصلاة خلفه التي مثلها لا يوجد في الصلاة خلف غيره فغير جائز بعده لأحد أن يصليها إلا بإمامين لأن فضيلة الصلاة خلف الثاني كهي خلف الأول فلا يحتاج إلى مشى واختلاف واستدبار القبلة مما هو مناف للصلاة* قال أبو بكر فأما تخصيص النبي صلىاللهعليهوسلم بالخطاب بها بقوله (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) فليس بموجب بالاقتصار عليه بهذا الحكم دون غيره لأن الذي قال (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) هو الذي قال (فَاتَّبِعُوهُ) فإذا وجدنا النبي صلىاللهعليهوسلم قد فعل فعلا فعلينا اتباعه فيه على الوجه الذي فعله ألا ترى أن قوله (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) لم يوجب كون النبي صلىاللهعليهوسلم مخصوصا به دون غيره من الأئمة بعده وكذلك قوله (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) وكذلك قوله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وقوله (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) فيه تخصيص النبي صلىاللهعليهوسلم بالمخاطبة والأئمة بعده مرادون بالحكم معه وأما إدراك فضيلة الصلاة خلف النبي صلىاللهعليهوسلم فليس يجوز أن يكون علة لإباحة المشي في الصلاة واستدبار القبلة والأفعال التي تركها