قوله (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) إنما أريد به الطائفة التي مع الإمام أحدهما أنه لما ذكر الطائفة الثانية قال (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) ولو كانوا مأمورين بأخذ السلاح بديا لاكتفى بذكرها بديا لهم والوجه الثاني قوله (وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) فجمع لهم بين الأمرين من أخذ الحذر والسلاح جميعا لأن الطائفة الأولى قد صارت بإزاء العدو وهي في الصلاة وذلك أولى بطمع العدو فيهم إذ قد صارت الطائفتان جميعا في الصلاة فدل ذلك على أن قوله (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) إنما أريد به الطائفة الأولى وهذا أيضا يدل على أن الطائفة التي تقف بإزاء العدو بديا غير داخلة في الصلاة وأنها إنما تدخل في الصلاة بعد مجيئها في الركعة الثانية ولذلك أمرت بأخذ الحذر والسلاح جميعا لأن الطائفة التي في وجه العدو في الصلاة فيشتد طمع العدو فيها لعلمهم باشتغالها بالصلاة ألا ترى أن خالد بن الوليد قال لأصحابه بعسفان (١) بعد ما صلى النبي صلىاللهعليهوسلم الظهر دعوهم فإن لهم بعدها صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم فإذا صلوها حملنا عليهم فصلى النبي صلىاللهعليهوسلم صلاة الخوف ولذلك أمرهم الله بأخذ الحذر والسلاح جميعا والله أعلم ولما جاز أخذ السلاح في الصلاة وعمل ذلك فيها دل على أن العمل اليسير معفو عنه فيها قوله تعالى (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) إخبار عما كان عزم عليه المشركون من الإيقاع بالمسلمين إذا اشتغلوا بالصلاة فأطلع الله نبيه صلىاللهعليهوسلم عليه وأمر المسلمين بأخذ الحذر منهم* قوله تعالى (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) فيه إباحة وضع السلاح لما فيه من المشقة في حال المرض والوحل والطين وسوى الله تعالى بين أذى المطر والمرض ورخص فيهما جميعا في وضع السلاح وهذا يدل على أن من كان في وحل وطين فجائز له أن يصلى بالإيماء كما يجوز ذلك له في حال المرض إذا لم يمكنه الركوع والسجود إذ كان الله تعالى قد سوى بين أذى المطر والمرض فيما وصفنا وأمر مع ذلك بأخذ الحذر من العدو وأن لا يغفلوا عنه فيكون سلاحهم بالقرب منهم بحيث يمكنهم أخذه إن حمل عليهم العدو قوله تعالى (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ)
__________________
(١) قوله ألا ترى أن خالد بن الوليد قال لأصحابه بعسفان إلى آخره لأن خالدا رضى الله عنه لم يكن إذ ذاك أسلم وكان قائدا للمشركين في تلك الغزوة كما في صحيح أبى داود.