وربما أخرها حتى يجتمع الناس فأخبر عن صلاة النبي صلىاللهعليهوسلم في أوائل أوقاتها وأخبر عنها في أواخرها وذكر في أول الوقت العشاء الآخرة اسوداد الأفق ومعلوم أن بقاء البياض يمنع إطلاق الاسم عليه بذلك فثبت أن أول وقت العشاء الآخرة غيبوبة البياض ومن يأبى هذا القول يقول إن قوله حين اسود الأفق لا ينفى بقاء البياض لأنه إنما أخبر عن اسوداد أفق من الآفاق لا عن جميعها ولو أراد غيبوبة البياض لقال حين اسودت الآفاق وليس يمتنع أن يبقى البياض وتكون سائر الآفاق غير موضع البياض مسودة ويحتج القائلون بالبياض أيضا بحديث الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يصلى العشاء الآخرة حين يستوي الأفق وربما أخرها حتى يجتمع الناس وهذا اللفظ يحتمل من المعنى ما احتمله قوله في الحديث الأول حين اسود الأفق ومما يحتج به القائلون بالحمرة ما روى ثور بن يزيد عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله قال سأل رجل نبي الله صلىاللهعليهوسلم عن وقت الصلاة فقال صل معى فصلى في اليوم الأول العشاء الآخرة قبل غيبوبة الشفق قالوا ومعلوم أنه لم يصلها قبل غيبوبة الحمرة فوجب أن يكون أراد البياض ولا تكون رواية من روى أنه صلاها بعد ما غاب الشفق معارضة لحديث جابر هذا من قبل ما غاب الشفق الذي هو الحمرة إذا كان الاسم يقع عليهما جميعا ليتفق الحديثان ولا يتضادا ومن يجعل الشفق البياض يجعل خبر جابر منسوخا على نحو ما روى في خبر ابن عباس في المواقيت أنه صلى الظهر في اليوم الثاني وقت العصر بالأمس ومما يحتج به القائلون بالحمرة ما روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال أول وقت المغرب إذا غربت الشمس وآخره غيبوبة الشفق وفي بعض أخبار عبد الله بن عمر إذا غابت الشمس فهو وقت المغرب إلى أن يغيب الشفق وفي لفظ آخر وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق (١) قالوا فالواجب حمله على أولهما وهو الحمرة ومن يقول البياض يجيب عن هذا بأن ظاهر ذلك يقتضى غيبوبة جميعه وهو بالبياض فيدل ذلك على اعتبار البياض دون الحمرة لأنه غير جائز أن يقال قد غاب الشفق إلا بعد غيبوبة جميعه كما لا يقال غابت الشمس إلا بعد غيبوبة جميعها دون بعضها ولمن قال بالحمرة أن يقول إن البياض والحمرة ليسا شفقا واحدا بل هما شفقتان فيتناول الاسم أولهما غيبوبة كما أن
__________________
(١) قوله ثور الشفق بالثاء المثلثة أى انتشاره وثوران حمرته من ثار الشيء يثور إذا انتشر وارتفع في النهاية.