مع فقد النية فعلمنا أنه لم يرد به حقيقة اللفظ وإنما أراد معنى مضمرا فيه غير مذكور فالمحتج بعموم الخبر في ذلك مغفل فإن قيل مراده حكم العمل قيل له الحكم غير مذكور فالاحتجاج بعمومه ساقط فإن ترك الاحتجاج بظاهر اللفظ وقال لما لم يجز أن يخلو كلام النبي صلىاللهعليهوسلم من فائدة وقد علمنا أنه لم يرد نفس العمل وجب أن يكون مراده حكم العمل قيل له يحتمل أن يريد به فضيلة العمل لا حكمه وإذا احتمل الأمرين احتيج إلى دلالة من غيره في إثبات المراد وسقط الاحتجاج به فإن قيل هو على الأمرين قيل له هذا خطأ لأن الضمير المحتمل للمعنيين غير ملفوظ به فيقال عمومه شامل للجميع فأما ما ليس بمذكور وهو ضمير ليس اللفظ عبارة عنه فقول القائل أحمله على العموم خطأ وأيضا فغير جائز إرادة الأمرين لأنه إن أريد به فضيلة العمل صار بمنزلة قوله لا فضيلة للعمل إلا بالنية وذلك يقتضى إثبات حكم العمل حتى يصح نفى فضيلته لأجل عدم النية ومتى أراد به حكم العمل لم يجز أن يريد به الفضيلة والأصل منتف فغير جائز أن يرادا جميعا بلفظ واحد إذ غير جائز أن يكون لفظ واحد لنفى الأصل ونفى الكمال وأيضا غير جائز أن يزاد في حكم القرآن بخبر الآحاد على ما بينا وهذا من أخبار الآحاد.
(فصل) قوله عز وجل (وُجُوهَكُمْ) قال أبو بكر قد قيل فيه إن حد الوجه من قصاص الشعر إلى أصل الذقن إلى شحمة الإذن حكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن أبى سعيد البردعي ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى وكذلك يقتضى ظاهر الاسم إذ كان إنما سمى وجها لظهوره ولأنه يواجه الشيء ويقابل به وهذا الذي ذكرناه من تحديد الوجه هو الذي يواجه الإنسان ويقابله من غيره فإن قيل فينبغي أن يكون الأذنان من الوجه لهذا المعنى قيل له لا يجب ذلك لأن الأذنين تستران بالعمامة والقلنسوة ونحوهما كما يستر صدره وإن كان متى ظهر كان مواجها لمن يقابله وهذا الذي ذكرناه من معنى الوجه يدل على أن المضمضة والاستنشاق غير واجبين بالآية إذ ليس داخل الأنف والفم من الوجه إذ هما غير مواجهين لمن قابلهما وإذا لم تقتض الآية إيجاب غسلهما وإنما اقتضت غسل ما واجهنا وقابلنا منه فمن قال بإيجاب المضمضة والاستنشاق فهو زائد في حكم الفرض ما ليس منه وهذا غير جائز لأنه يوجب نسخه فإن قيل قول النبي صلىاللهعليهوسلم بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما وقوله صلىاللهعليهوسلم حين توضأ مرة مرة هذا وضوء لا يقبل