إذا ثبت أن الواو لا توجب الترتيب صار تقدير الآية إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا هذه الأعضاء فيصير الجميع مرتبا على القيام وليس يختص به الوجه دون سائرها إذ كانت الواو للجمع فيصير كأنه عطف الأعضاء كلها مجموعة بالفاء على حال القيام فلا دلالة فيه على الترتيب بل تقتضي إسقاط الترتيب* ويدل على سقوط الترتيب قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) ومعناه مطهرا فحيثما وجد ينبغي أن يكون مطهرا مستوفيا لهذه الصفة التي وصفه الله بها وموجب الترتيب قد سلبه هذه الصفة إلا مع وجود معنى آخر غيره وهذا غير جائز* ويدل عليه من جهة السنة حديث رفاعة بن رافع عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قصة الأعرابى حين علمه الصلاة وقال له إنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ويحمد الله وذكر الحديث فأخبر النبي صلىاللهعليهوسلم أنه إذا وضع الوضوء مواضعه أجزأه ومواضع الوضوء الأعضاء المذكورة في الآية فأجاز الصلاة بغسلها من غير ذكر الترتيب فدل على أن غسل هذه الأعضاء يوجب كمال طهارته لوضعه الوضوء مواضعه* فإن قيل إذا لم يرتب فلم يضع الوضوء مواضعه* قيل له هذا غلط لأن مواضع الوضوء معلومة مذكورة في الكتاب فعلى أى وجه حصل الغسل فقد وضع الوضوء مواضعه فيجزيه بحكم النبي صلىاللهعليهوسلم بإكمال طهارته إذا فعل ذلك ويدل عليه من جهة النظر اتفاق الجميع على جواز طهارته لو بدأ من المرفق إلى الزند وقال تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فلما لم يجب الترتيب فيما هو مرتب في مقتضى حقيقة اللفظ فما لم يقتض اللفظ ترتيبه أحرى أن يجوز وهذه دلالة ظاهرة لا يحتاج معها إلى ذكر علة يجمعها لأنه قد ثبت بما وصفنا أن المقصد فيه ليس الترتيب إذ لو كان كذلك لكان ما اقتضى اللفظ ترتيبه أولى أن يكون مرتبا وأيضا يجوز أن يقاس عليها بأنهما جميعا من أعضاء الطهارة فلما سقط الترتيب في أحدهما وجب سقوطه في الآخر وأيضا لما لم يجب الترتيب بين الصلاة والزكاة إذ كل واحدة منهما يجوز سقوطها مع ثبوت فرض الأخرى كان كذلك الترتيب في الوضوء لجواز سقوط فرض غسل الرجلين لعلة بهما مع لزوم فرض غسل الوجه وأيضا لما لم يستحل جمع هذه الأعضاء في الغسل وجب أن لا يجب فيها الترتيب كالصلاة والزكاة وقد روى عن عثمان أنه توضأ فغسل وجهه ثم يديه ثم غسل رجليه ثم مسح ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم توضأ * فإن احتجوا بما روى