في الشرع فأوجب الله تعالى على من حصلت له هذه السمة الطهارة بقوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وقوله في آية أخرى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) وقال (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) روى أنهم أصابتهم جنابة فأنزل الله مطرا فأزالوا به أثر الاحتلام والمفروض من غسل الجنابة إيصال الماء بالغسل إلى كل موضع يلحقه حكم التطهير من بدنه لعموم قوله (فَاطَّهَّرُوا) وبين النبي صلىاللهعليهوسلم مسنون الغسل فيما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا على بن محمد بن عبد الملك قال حدثنا محمد بن مسدد قال حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب قال حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة قالت وضعت للنبي صلىاللهعليهوسلم غسلا (١) يغتسل من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليمنى فغسلها مرتين أو ثلاثا ثم صب على فرجه بشماله ثم ضرب بيده الأرض فغسلها ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه ثم صب على رأسه وجسده ثم تنحى ناحية فغسل رجليه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده وكذلك الغسل من الجنابة عند أصحابنا والوضوء ليس بفرض في الجنابة لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وإذا اغتسل فقد تطهر وقضى عهدة الآية وقال تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ـ إلى قوله ـ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فأباح الصلاة بالاغتسال من غير وضوء فمن شرط في صحته مع وجود الغسل وضوءا فقد زاد في الآية ما ليس فيها وذلك غير جائز لما بينا فيما سلف فإن قيل قال الله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية وذلك عموم في سائر من قام إليها قيل له فالجنب حين غسل سائر جسده فهو غاسل لهذه الأعضاء فقد قضى عهدة الآية لأنه متوضئ مغتسل فهو إن لم يفرد الوضوء قبل الاغتسال فقد أتى بالغسل على وضوء لأنه أعم منه فإن قيل توضأ النبي صلىاللهعليهوسلم قبل الغسل قيل له هذا يدل على أنه مستحب مندوب إليه لأن ظاهر فعله لا يقتضى الإيجاب واختلف الفقهاء في وجوب المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والليث والثوري هما فرض فيه وقال مالك والشافعى ليس بفرض فيه وقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) عموم في إيجاب تطهير سائر ما يلحقه حكم التطهير من البدن
__________________
(١) قوله غسلا بالضم هو الماء الذي يتطهر به وبالكسر ما يغسل به الرأس من سدر ونحوه.