يوجب أن يكون كون الإمساك حدا منسوخا وجائز أن يكون الأذى حدا لهما جميعا بديا ثم زيد في حد المرأة الحبس إلى الموت أو السبيل الذي يجعله الله لها فيوجب ذلك نسخ الأذى في المرأة أن يكون حدا لأنه صار بعضه بعد نزول الحبس فهذه الوجوه كلها محتملة* فإن قيل هل يحتمل أن يكون الحبس منسوخا بإسقاط حكمه والاقتصار* على الأذى إذا كان نازل بعده* قيل له لا يجوز نسخه على جهة رفع حكمه رأسا إذ ليس في إيجاب الأذى ما ينفى الحبس لجواز اجتماعهما ولكنه يكون نسخه من طريق أنه يصير بعض الحد بعد أن كان جميعه وذلك ضرب من النسخ* وقد قيل في ترتيب الآيتين وجهان أحدهما ما روى عن الحسن أن قوله تعالى (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) نزلت قبل قوله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) ثم أمر أن توضع في التلاوة بعده فكأن الأذى حدا لهما جميعا ثم الحبس للمرأة مع الأذى وذلك يبعد من وجه لأن قوله تعالى (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) الهاء التي في قوله تعالى (يَأْتِيانِها) كناية لا بد لها من مظهر متقدم مذكور في الخطاب أو معهود معلوم عند المخاطب وليس في قوله تعالى (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) دلالة من الحال على أن المراد الفاحشة فوجب أن تكون كناية راجعة إلى الفاحشة التي تقدم ذكرها في أول الآية إذا لو لم تكن كناية عنها لم يستقم الكلام بنفسه في إيجاب الفائدة وإعلام المراد وليس ذلك بمنزلة قوله تعالى (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) وقوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) لأن من مفهوم ذكر الإنزال أنه القرآن وفي مفهوم قوله تعالى (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) أنها الأرض فاكتفى بدلالة الحال وعلم المخاطب بالمراد المكنى عنه فالذي يقتضيه ظاهر الخطاب أن يكون ترتيب معاني الآيتين على حسب ترتيب اللفظ فإما أن تكونا نزلتا معا وإما أن يكون الأذى نازلا بعد الحبس إن كان المراد بالأذى من أريد بالحبس من النساء والوجه الثاني ما روى عن السدى أن قوله تعالى (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) إنما كان حكما في البكرين خاصة والأولى في الثيبات دون الأبكار إلا أن هذا قول يوجب تخصيص اللفظ بغير دلالة وذلك غير سائغ لأحد مع إمكان استعمال اللفظين على حقيقة مقتضاهما وعلى أى وجه تصرفت وجوه الاحتمال في حكم الآيتين وترتيبهما فإن الأمة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين* وقد اختلف السلف في معنى السبيل المذكور في هذه الآية