٥ ـ صحيح أنّ جبرئيل ملك له مقام رفيع ، إلّا أنّه من المقطوع به أنّ مقام النّبي أعلى منه شأنا : كما ورد في قصّة المعراج أنّه كان يصعد ـ في المعراج ـ مع النّبي فوصلا إلى نقطة فتوقّف جبرئيل عن الصعود وقال للنبي : «لو دنوت قيد أنملة لاحترقت» إلّا أنّ النّبي واصل سيره وصعوده!.
فمع هذه الحال فإنّ رؤية جبرئيل في صورته الأصلية لا تتناسب والأهميّة المذكورة في هذه الآيات ، وبتعبير أكثر بساطة : لم تكن رؤية النّبي لجبرئيل على تلك الأهميّة .. فمع أنّ هذه الآيات اهتمّت بهذه الرؤية اهتماما بالغا!
٦ ـ جملة : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) هي أيضا دليل على الرؤية القلبية لا البصرية الحسّية لجبرئيل.
٧ ـ ثمّ بعد هذا كلّه فما ورد من الرّوايات عن أهل البيت لا يفسّر هذه الآيات بأنّها في رؤية النّبي لجبرئيل ، بل الرّوايات موافقة للتفسير الثاني القائل بأنّ المراد من هذه الآيات الرؤية الباطنية (القلبية) لذات الله المقدّسة التي تجلّت للرسول وتكرّرت في المعراج واهتزّ لها النّبي وهالته (١).
ينقل الشيخ الطوسي في أماليه عن ابن عبّاس عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «لمّا عرج بي إلى السماء دنوت من ربّي عزوجل حتّى كان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى» (٢).
وينقل الشيخ الصدوق رحمهالله في علل الشرائع المضمون ذاته عن هشام بن الحكم عن الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام من حديث طويل أنّه قال : «فلمّا أسري بالنّبي وكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه» (٣).
__________________
(١) في دعاء الندبة تعبير يناسب هذا المعنى أيضا إذ يقول : يا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى دنوا واقترابا من الملأ الأعلى وفي ذيل هذا الدعاء ورد بعض القاب الله «شديد القوى» إذ يقول : وأره سيّده يا شديد القوى ..
(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٤٩.
(٣) المصدر السابق