إلّا أنّ هذه النظرية بالرغم ممّا لها من أتباع كثيرين لا تخلو من إشكالات مهمّة :
١ ـ في الآية : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) مرجع الضمير في «عبده» هو الله بلا شكّ ، مع أنّه لو كان «شديد القوى» يعني جبرئيل فإنّ جميع الضمائر في الآيات بعده تعود عليه ... صحيح أنّه يمكن أن يعرف أنّ موضوع هذه الآية خارج عن الآيات الآخر من خلال القرائن الموجودة فيها ، إلّا أنّ اضطراب السياق في الآيات ، وعدم تناسق عود الضمائر خلاف الظاهر قطعا!
٢ ـ (شَدِيدُ الْقُوى) : هذا التعبير الذي يعني من له قوى خارقة إنّما يناسب ذات الله المقدّسة فحسب ، صحيح أنّ الآية (٢٠) من سورة التكوير تعبّر عن جبرئيل بـ (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) إلّا أنّ بين (شَدِيدُ الْقُوى) الواسع في مفهومه وبين «ذي قوّة» المذكورة فيه كلمة «قوّة» بصيغة التنكير والإفراد فرقا كبيرا.
٣ ـ جاء في الآيات التالية أنّ النّبي رآه «عند سدرة المنتهى» (في السماء العليا) ولو كان المقصود منه جبرئيل فهو كان مع النّبي في معراجه من بداية المعراج إلى المنتهى ، ولم يره النّبي عند سدرة المنتهى فحسب .. إلّا أن يقال رآه في الأرض بصورة بشر وفي السماء بصورته الحقيقيّة .. ولا قرينة على ذلك في الآيات.
٤ ـ التعبير بـ «علّمه» ـ وأمثاله لم يرد في القرآن في شأن جبرئيل أبدا ، بل هو في شأن تعليم الله نبيّه محمّدا وأنبياءه الآخرين ، وبتعبير آخر فإنّ جبرئيل لم يكن معلّم النّبي محمّد ، بل أمين وحيه ، ومعلّمه الله فحسب.
__________________
والبيضاوي في أنوار التنزيل ، والزمخشري في الكشّاف ، والقرطبي في تفسيره روح البيان ، والفخر الرازي في تفسيره الكبير ، وسيّد قطب في تفسيره في ظلال القرآن ، والمراغي في تفسيره وتعبيرات العلّامة الطباطبائي في ميزانه تحميل إلى هذا الرأي أيضا ..