وقال أبو زيد : سمعت من يقول (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) (١) (الأنفال : ٣٣) بفتح اللام. وهذا من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه. وأشدّ منه ما حكاه اللحياني عن بعضهم أنه كسر اللام الجارة مع المضمر (٢) ، فقال : المال له. وإنما كان هذا أشذّ من الأول من قبل أن أصل اللام الفتح ، فإذا ردّت في بعض المواضع على ضرب من التأول إليه فله وجه من القياس. وأما الكسر ففرع ، والحمل على الأصول أجوز من النزول إلى الفروع. ووجه جوازه أنه لمّا شبّه المظهر بالمضمر في فتح لام الجر معه نحو قراءة سعيد بن جبير وغيرها ، كذلك شبّه المضمر بالمظهر في كسر لام الجر معه في هذه الحكاية الشاذة. وكما شبّهت الباء في بزيد باللام في لزيد حتى كسرت مثلها ، كذلك جاز أيضا لبعضهم أن شبّه الباء باللام ، ففتحها مع المضمر كما يفتح اللام معه ، وذلك أيضا في ما حكاه اللحياني من قول بعضهم : مررت به ، بفتح الباء (٣) ، وهذه التشابيه إنما تقع شبيها بالغلط ، على أن أصحابنا في كثير مما يحكيه اللحيانى كالمتوقفين.
حكى أبو العباس عن إسحاق بن إبراهيم ، قال : سمعت اللحياني ينشد :
كم عمة لك يا جرير وخالة |
|
فدعاء قد جليت عليّ عشّار (٤) |
فقلت له : ويحك! إنما هو : قد حلبت عليّ عشاري ، فقال لي : وهذه أيضا رواية.
__________________
(١) جاءت هذه الآية ردا على إدعاء الكفار بأن يعذبهم الله أو يمطر عليهم حجارة من السماء ، فكانت هذه الآية رحمة من الله تمهلهم فلا تأخذهم بعنادهم فهم يمهلون إكراما لوجود رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بينهم. انظر / في ظلال القرآن الكريم للسيد قطب (٣ / ١٥٠٥). الشاهد فيها : قراءة اللام بالفتح.
(٢) المضمر : كسر اللام الجارة مع المضمر لغة خزاعة.
(٣) فتح الباء : مثل قوله : مررت به ، لغة اشتهرت بها قبائل متعددة مثل قضاعة.
(٤) نسب صاحب اللسان البيت للفرزدق ، مادة (ع ش ر). لسان العرب (٤ / ٥٧٣). فدعاء : هي التي تمشي على ظهر قدميها لوجود اعوجاج في المفاصل كأنها فارقت مواضعها ، وأكثر ما يكون في رسغ القدم أو اليد. مادة (ف د ع). لسان العرب (٨ / ٢٤٦). عشار : (م) عشراء ، والعشراء من النوق ما مضى على حملها عشرة أشهر. اللسان (٤ / ٥٧٢) ويبدو أن الفرزدق يهجو جرير ويسبه ويعيره ويقبحه ويخبره بأن له عمة وخالة تشبه كلاهما الناقة في مشيتها المتعرجة المعوجة إذا ما مرّ على حملها عشرة أشهر.