وحكى الفراء هذه اللغة ، وأنه سمعها من بعض بني سليم. وحكى أن العرب جميعا تضم هذه الميم نحو (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) (البقرة : ١٢١) (١) و (هُمُ الْفائِزُونَ) (المؤمنون : ١١١) (٢).
وحكى اللحياني (٣) «مذ اليوم» و «مذ الليلة» بكسر الذال.
فالجواب : أن هذه اللغة ، أعني «هم القضاة» و «منهم الحجاب» من القلة ومخالفة الجمهور على ما حكيناه عن الفراء ، وما كانت هذه صفته وجب أن يلغى ويطّرح ولا يقاس عليه غيره. وأما حكاية اللحياني فكذلك أيضا ، وتكون كغيرها مما دفعه أصحابنا وعجبوا منه.
ووجه جواز ذلك ـ عندي ـ على ضعفه أنه شبّه ميم «هم» وذال «مذ» بدال «قد» ولام «هل» ، فكسرهما حين احتاج إلى حركتها كما يكسرهما ونحوهما إذا احتاج إلى ذلك نحو «قد انقطع» و «هل انطلق زيد» ، وان كان الذي قال : «هذه دعد» فسكّن الميم هو الذي قال : «مذ اليوم» و «هم القضاة» فغير منكر أن تكون كسرة الهاء من «هذه ابنتك» و «هذه امرأتك» و «ضربت هذه المرأة» على لغته لالتقاء الساكنين ، فليس ذلك بأشد من «هم القضاة» و «مذ اليوم» فاعرف ذلك.
ومن إبدال الهاء من الياء قولهم في تصغير «هنة» : «هنيهة» وأصلها الأول «هنيوة» لأن لام الفعل في تصريف هذه الكلمة واو لقولهم :
.. |
|
على هنوات شأنها متتابع |
وإبدالهم أيضا التاء في «هنت» من الواو دون الياء ، وقد تقدمت الدلالة على ذلك ، فلما اجتمع في «هنيوة» الياء والواو ، وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، فصار «هنيّة» ، وهو الدائر المستعمل في أيدي الناس.
__________________
(١) (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) الشاهد فيه ضم ميم «هم». إعرابها : هم : ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. المفسدون : خبر
(٢) (هُمُ الْفائِزُونَ) الشاهد فيه ضم ميم «هم».
(٣) ذكر قول اللحياني كذلك في شرح المفصل (٣ / ١٣٢).