فأن يجوز قطع الهمزة التي هي مختلف في أمرها ، وهي مفتوحة أيضا ، مشابهة لما لا يكون من الهمز إلا قطعا ، نحو همزة أحمر وأصفر ونحوهما ، أولى وأجدر.
فإن قال قائل : ما الفرق بينك وبين من قلب عليك هذه الطريق فقال : ما تنكر أن يكون إفضاؤهم بجرّ الجارّ إلى ما بعد حرف التعريف في نحو : مررت بالرجل ، ونظرت إلى الغلام ، لم يجز من حيث اشتد امتزاج حرف التعريف بما عرّفه على ما ذهبت إليه ، بل إنما جاز تجاوز حرف الجر إلى ما بعد حرف التعريف وإن كان حرفه «ال» هذين الحرفين ، أعني الهمزة واللام من حيث اطرد الحذف في هذه الهمزة لكثرة استعمالهم لها ، فلما فقدت في الوصل من اللفظ ، وثبتت اللام وحدها صارت كأنها هي حرف التعريف وحدها ، وصارت الهمزة كأنها ليست من أصل حرف التعريف لحذفها في أكثر الأحوال.
فالجواب عن هذه الزيادة : أن في جمعهم بين رجل والرجل ، وغلام والغلام قافيتين في شعر واحد من غير استكراه ولا ضرورة إبطاء ، ما دلّ على أن بين المعرفة في هذا والنكرة فرقا قد أبان أحدهما من صاحبه ، وصيّره كأنه كلمة أخرى ، ولم يكن ذلك إلا لما دخل الكلمة من حرف التعريف الممازج لها المشابه لياء التحقير وألف التكسير في نحو رجيل ودراهم ، فلما ضارعت لام التعريف ياء التحقير وألف التكسير وكانت تانك مصوغتين في نفس المثال صوغ الأصول التي تتبارى في اللزوم ، دلّ ذلك على شدة امتزاج حرف التعريف بما عرّفه ، ولم يمازجه هذه الممازجة المؤكدة إلا بكونه على حرف واحد ، ولا سيما ساكن ، ولو كان على حرفين بمنزلة هل ، وبل ، وقد ، لما اتصل بالاسم هذا الاتصال المفرط ، لأنه كان يقدّر فيه الانفكاك حينئذ والانفصال.
فإن قال قائل : ألست تقول : مررت بهذا ، فتجاوز عمل الباء إلى ذا ، فتجرّه وبينهما «هاء» وهي على حرفين ، فما تنكر أيضا أن يكون حرف التعريف «ال» هذين الحرفين ، أعني الهمزة واللام ، ويكون تجاوز الجار لهما إلى ما بعدهما في نحو : مررت بالرجل كتجاوز الجارّ قبل «ها» إلى «ذا» في قولك : مررت بهذا؟
فالجواب : أن بين الموضعين فرقا ، وذلك أن «ها» إنما معناها التنبيه ، والتنبيه ضرب من التوكيد.